الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
408 - وأخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، ثنا أبو داود ، ثنا العباس بن عبد العظيم ، ثنا الأحوص بن جواب ، ثنا عمار بن رزيق ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، وأبي ميسرة ، عن علي ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يقول عند مضجعه:   "اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم ، وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ [ ص: 478 ] بناصيته ، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم ، اللهم لا ينهزم جندك ولا يخلف وعدك ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك ، وبحمدك" قلت: فاستعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر بكلمات الله كما استعاذ بوجهه الكريم ، فكما أن وجهه الذي استعاذ به غير مخلوق ، فكذلك كلماته التي استعاذ بها غير مخلوقة ، وكلام الله تعالى واحد ، وإنما جاء بلفظ الجمع على معنى التعظيم والتفخيم ، كقوله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، وقال: فقدرنا فنعم القادرون ، وإنما سماها تامة؛ لأنه لا يجوز أن يكون في كلامه عيب أو نقص كما يكون ذلك في كلام الآدميين وبلغني عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، أنه كان يستدل بذلك على أن القرآن غير مخلوق ،  قال: وذلك؛ لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص قلت: وأما الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك" فلا يخالف ما قلنا وذلك؛ لأن الرضا عند أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه يرجع إلى [ ص: 479 ] الإرادة ، وهو إرادة إكرام المؤمنين ، وكذلك الرحمة ترجع إلى الإرادة وهي إرادة الإنعام والإكرام ، والإرادة من صفات الذات فاستعاذته في هذا الخبر أيضا وقعت بصفة الذات كما وقعت في قوله: "بك" بالذات ، وبالله التوفيق ووجدت في كلام أبي سليمان الخطابي رحمه الله في هذا الحديث ، أنه استعاذ بالله تعالى ، وسأله أن يجيره برضاه من سخطه ، وبمعافاته من عقوبته ، قلت: فالاستعاذة في هذا أيضا وقعت بغير مخلوق؛ ليجعله من أهل رضاه ، ومعافاته دون سخطه وعقابه.

التالي السابق


الخدمات العلمية