الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
417 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني عبد الله بن محمد الكعبي ، ثنا محمد بن أيوب ، أنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا هشام ، ثنا قتادة ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يجمع المؤمنون يومئذ فيهتمون لذلك اليوم ، ويقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم ويقولون له: يا آدم ، أنت أبو الناس ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ، فاشفع لنا [ ص: 488 ] إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا ، فيقول لهم: لست هناكم ، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ، ولكن إيتوا نوحا أول رسول بعثه الله إلى الأرض ، فيأتون نوحا ، فيقول لهم: لست هناكم ، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ، ولكن إيتوا إبراهيم خليل الرحمن ، فيأتون إبراهيم ، فيقول لهم: لست هناكم ، ويذكر لهم خطاياه التي أصاب ، ولكن إيتوا موسى ؛ عبدا آتاه الله التوراة ، وكلمه تكليما ، فيأتون موسى ، فيقول لهم: لست هناكم ، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ، ولكن إيتوا عيسى رسول الله وكلمته وروحه ، فيأتون عيسى ، فيقول لهم: لست هناكم ، ولكن إيتوا محمدا؛ عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأتونني؛ فأنطلق معهم فأستأذن على ربي فيؤذن لي ، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول لي: يا محمد ، ارفع رأسك سل تعطه، واشفع تشفع ، فأحمد ربي بمحامد علمنيها وأحد لهم حدا؛ فأدخلهم الجنة، ثم أرجع الثانية فأستأذن على ربي فيؤذن لي ، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول: يا محمد ، ارفع رأسك سل تعط ، واشفع تشفع ، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ، ثم أحد لهم حدا ثانيا فأدخلهم الجنة ، ثم أرجع الثالثة فأستأذن على ربي فيؤذن لي ، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: يا محمد ، ارفع رأسك ، سل تعطه واشفع تشفع ، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ، ثم أحد لهم حدا ثالثا فأدخلهم الجنة حتى أرجع فأقول: يا رب ، ما بقي في النار إلا من وجب عليه الخلود ، أو حبسه القرآن " رواه البخاري في الصحيح، عن مسلم بن إبراهيم ، ورواه مسلم في الصحيح ، عن محمد بن المثنى ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، وفي هذا أن موسى عليه السلام مخصوص بأن الله تعالى جل ثناؤه كلمه تكليما ،  ولو كان إنما سمعه من مخلوق لم يكن له خاصية ، وقوله في عيسى عليه السلام: إنه رسول الله وكلمته ، فإنما يريد به أنه بكلمة الله تعالى صار مكونا من غير أب ، أو أنه رسول الله ، [ ص: 489 ] وعن كلمته يتكلم ، والأول أشبه بالتخصيص ، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله عز وجل: إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم يعني - والله أعلم - أوحى كلمته إلى مريم؛ فصار عيسى مخلوقا بكلمته من غير أب ، ثم بين الكلمة التي أوحى إلى مريم فصار عيسى بها مخلوقا ، فقال: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ، فأخبر أن عيسى إنما صار مكونا بكلمة كن ، كما صار آدم بشرا بكلمة كن وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية