الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 270 ] باب ما جاء في معنى قول الله عز وجل : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ما جاء في معنى قول الله عز وجل : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون . .

834 - قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في الجامع الصحيح : حدثنا الحميدي ، ثنا الحميدي ، ثنا سفيان ، حدثوني عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والطور ، فلما بلغ هذه الآية : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون كاد قلبي أن يطير .  أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، قال : زادني أبو صالح ، عن إبراهيم بن معقل ، عن محمد بن إسماعيل البخاري ، فذكره . قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : " إنما كان انزعاجه عند سماع هذه الآية لحسن تلقيه معنى الآية ومعرفته بما تضمنته من بليغ الحجة ، فاستدركها بلطيف طبعه ، واستشف معناها بذكي فهمه ، وهذه الآية مشكلة جدا . قال أبو إسحاق الزجاج في معنى هذه الآية ، قال : فهي أصعب ما في هذه السورة ، قال بعض أهل اللغة : ليس هم [ ص: 271 ] بأشد خلقا من خلق السماوات والأرض ، لأن السماوات والأرض خلقتا من غير شيء ، وهم خلقوا من آدم ، وآدم خلق من تراب . قال : وقيل فيها قول آخر : أم خلقوا من غير شيء ؟ أم خلقوا لغير شيء ؟ أي خلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون " . قال الشيخ أبو سليمان : وههنا قول ثالث هو أجود من القولين اللذين ذكرهما أبو إسحاق ، وهو الذي يليق بنظم الكلام ، وهو أن يكون المعنى : أم خلقوا من غير شيء خلقهم ، فوجدوا بلا خالق ، وذلك ما لا يجوز أن يكون لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الأمر ، فلا بد له من خالق ، فإذ قد أنكروا الإله الخالق ، ولم يجز أن يوجدوا بلا خالق خلقهم أفهم الخالقون لأنفسهم ؟ وذلك في الفساد أكثر ، وفي الباطل أشد ، لأن ما لا وجود له كيف يجوز أن يكون موصوفا بالقدرة ، وكيف يخلق وكيف يتأتى منه الفعل ، وإذا بطل الوجهان معا قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا فليؤمنوا به إذا . ثم قال : أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أي : إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم في تلك الحال فليدعوا خلق السماوات والأرض ، وذلك شيء لا يمكنهم أن يدعوه بوجه ، فهم منقطعون ، والحجة لازمة لهم من الوجهين معا ، ثم قال : بل لا يوقنون فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان ، وهي عدم اليقين الذي هو موهبة من الله عز وجل فلا ينال إلا بتوفيقه ، ولهذا كان انزعاج جبير بن مطعم رضي الله عنه حتى قال : كاد قلبي أن يطير ، والله أعلم . وهذا باب لا يفهمه إلا أرباب القلوب . قلت : وقد روى محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير هذه السورة وقال في هذه الآية : أم خلقوا من غير شيء من غير رب ، أم هم الخالقون . يعني أهل مكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية