الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

روي عن شرحبيل ، أن أبا الدرداء ، رضي الله عنه كان إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنا رائحون، أو روحوا فإنا غادون، موعظة بليغة، وغفلة سريعة، كفى بالموت واعظا، يذهب الأول فالأول، ويبقى الآخر لا حلم له.  

وعن أم الدرداء، أن أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم يقول: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة .

وقال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقا إلى ربي، وأحب الفقر تواضعا لربي، وأحب المرض تكفيرا لخطيئتي.  

واشتكى أبو الدرداء رضي الله عنه، فقال له أصحابه: ما تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة، قالوا: أفلا ندعوا لك طبيبا؟ قال: هو [ ص: 560 ] الذي أضجعني.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك.  

وقال: هذه عاد وقد ملأت ما بين عدن إلى عمان أموالا وأولادا، فمن يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين؟ .

وقال: تجددون الدنيا والله يريد خرابها، وهو تعالى غالب على ما أراد.  

وقال: من أكثر ذكر الموت قل فرحه وقل حسده.  

وقال: ما بت ليلة فأصبحت لم يرمني الناس فيها بداهية إلا رأيت أن لله علي فيها نعمة.

وقال: إياكم ودعوة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنهما تسريان بالليل والناس نيام، وإن أبغض الناس إلي أن أظلمه من لا يستعين علي إلا بالله عز وجل.  

وقال: لولا ثلاث خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا، قيل: وما هن؟ قال: لولا وضوع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار، وظمأ الهواجر، ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة [ ص: 561 ] .

وقال: ما في المؤمن بضعة أحب إلى الله من لسانه، به يدخله الجنة، وما في الكافر بضعة أبغض إلى الله من لسانه، به يدخله النار.  

وقال: لا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه، ولا شيئا من الخير أن تفعله، قال الله عز وجل: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد السمسار ، حدثنا علي بن ماشاذة ، حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن إسحاق ، حدثنا محمد بن بكار ، والحكم بن موسى ، وعبد الله بن عوف ، قالوا: حدثنا مسرح بن فضالة ، عن لقمان بن عامر ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يقول: "معاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله، اعط أخاك وكن له، ولا تطع فيه حاسدا، فتكون مثله، غدا يأتيك الموت فيكفيك فقده، كيف تبكيه بعد الموت، وفي الحياة ما قد تركت فضله"   [ ص: 562 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية