الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في ذكر حرصه على طلب العلم

وأخبرنا علي بن إبراهيم ، قال: سمعت أحمد بن علي الرقام ، يقول: سمعت الحسن بن الحسين الدرستيني ، يقول:، سمعت أبا حاتم ، يقول: قال لي أبو زرعة: ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك يا أبا حاتم ، فقلت: إن عبد الرحمن لحريص، قال: من أشبه أباه فما ظلم، قال الرقام: سألت عبد الرحمن عن اتفاق كثرة السماع له وسؤالاته من أبيه فقال: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه.

قال علي بن إبراهيم: وبلغني أنه كان يسأل أباه أبا حاتم في مرضه الذي توفي فيه عن أشياء من علم الحديث وغيره إلى وقت ذهب لسانه فكان يشير إليه بطرفه نعم ولا.

قال: وسمعت عبد الرحمن يوما يقول: لا يستطاع العلم براحة الجسم   [ ص: 1236 ] .

وقال: كنا بمصر سبعة أشهر، فلم نأكل فيها مرقة، وذلك أنا كنا نغدو بالغدوات إلى مجلس بعض الشيوخ، ووقت الظهر إلى مجلس آخر، ووقت العصر إلى مجلس آخر، ثم بالليل للنسخ والمعارضة، فلم نتفرغ نصلح شيئا، وكان معي رفيق خراساني أسمع في كتابه ويسمع في كتابي، فما أكتب لا يكتب، وما يكتب لا أكتب، فغدونا يوما إلى مجلس بعض الشيوخ فقال: هون عليك فرجعنا فرأينا في طريقنا حوتا يكون بمصر ، يشق جوفه فيخرج أصفر، فأعجبناه فلما صرنا إلى المنزل حضر وقت مجلس بعض الشيوخ فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام كاد أن يتغير، فأكلناه نيا، فقيل له: كنتم تعطون لمن يشويه ويصلحه، قال: من أين كان لنا الفراغ.

قال علي بن إبراهيم: وكان هذا في الرحلة الثانية، وذلك أنه كان استأذن أباه وتشفع إليه بأبي زرعة أن يأذن له في الرحلة الثانية، فلم يأذن له حتى ألح عليه، ولم يكن لأبي حاتم في هذا الوقت ولد غير عبد الرحمن ، وكان له أولاد قبله فماتوا فلم تطب نفسه أن يأذن له، ثم أذن له وشرط عليه إلى وقت كذا وينصرف إليه في وقت كذا فرحل ودخل مصر ، ومشايخ مصر متوافرون، قال: وعندي أنه كان في ثنتين وستين مثل يونس بن عبد الأعلى ، وبحر بن نصر ، وابن عبد الحكم ، والمزني ، والربيع وغيرهم، ومشايخ إسكندرية: محمد بن عبد الله بن ميمون وغيره، فأجهد نفسه في السماع ليلحق وعد أبيه لا يخلف، فرزق السماع الكثير مثل كتب ابن وهب بأسرها، وكتب الشافعي رحمه الله، وحديث سائر المشايخ وفوائدهم ثم خرج من مصر [ ص: 1237 ] .

سمعت أبا بكر البغدادي يقول: لقد اتفق لعبد الرحمن في رحلته من السماع في مدة يسيرة ما يعجز عن جمعه غيره أن يكتب في سنين، ودخل بيروت السواحل ودمشق والثغور.

قال علي بن إبراهيم: كان لعبد الرحمن ثلاث رحلات، رحلة مع أبيه في سنة حجه سنة خمس وخمسين، وست وخمسين في رجوعه من الحج، ثم حج حجة ثانية بنفسه مع مشايخ من أهل العلم من الري، محمد بن حماد الطهراني ، وغيره في الستين ومائتين، والرحلة الثانية بنفسه إلى مصر ونواحيها والشام ونواحيها في الثنتين والستين، والرحلة الثالثة إلى أصبهان إلى يونس بن حبيب ، وأسيد بن عاصم ، وغيرهما سنة أربع وستين

التالي السابق


الخدمات العلمية