فصل في ذكر محنته
قال: وأخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي ، قال: سمعت أبا الفضل العباس بن أحمد ، يقول: سمعت ، يقول: سمعت أبي، يقول: قلت ابن أبي عمر لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم: أخرج إلي أحمد بن حنبل لأكتبها، فتغافل، فسألته ثانية فقال: اكتب محنتي فإنها أعجب من محنة محنة أحمد .
قال علي بن أحمد الأصبهاني الفرضي: محنة أشد من محنة عبد الرحمن بن أبي حاتم ، وذلك أن محنة أحمد بن حنبل أحمد كانت مع الخاص، وكانت مدتها قليلة، وبقي عبد الرحمن في محنته مع أصحاب الزعفراني نحوا من عشرين سنة.
قال: وأخبرنا ، قال: سمعت علي بن إبراهيم أبا بكر محمد بن قارن بن العباس ، يقول: امتحن في الإسلام ثلاثة: ، سفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن أبي حاتم [ ص: 1240 ] .
قيل: صبر في محنته ولم يبرح من مسجده ومجلسه، ولم يترك جمعة ولا جماعة، ولا تستر العلم والتصنيف، وتعليم الخير حتى محقهم الله.
قيل: مات من رؤساء أعدائه المذكورين أربع مائة في حياته، وأشاروا عليه وقت المحنة بالخروج، فقال: ها هنا قوم من أهل السنة تنكسر قلوبهم ويستوحشون ولكن نصبر.
وقال: كتب إلى محمد بن يحيى الذهلي أبي زرعة: اصبر فإن للباطل جولة ثم يضمحل.
قال كنا جماعة يوما في مسجد علي بن إبراهيم: عنده فتذكروا شدة محنته، فقال بعضهم: يوم كذا، وقال بعضهم: وقت كذا. عبد الرحمن بن أبي حاتم
فقال عبد الرحمن: كنت يوم الجمعة في مسجد الجامع إذ جاءني إنسان، فقال لي: خذ حذرك فإنهم قد جلسوا لك في ثلاثة مواضع، فأخذوا عليك الطريق يريدون نفسك، قال والجامع ناء عن البلد منقطع عنه، وكان علي بن إبراهيم: عبد الرحمن قد اتخذ لنفسه فرسا أيام الزعفراني وأصحابه يكون أسرع لنجاته، قال عبد الرحمن: ففكرت في نفسي أي طريق آخذ؟ وكان ثلاثة طرق، فاستخرت الله، وذكرت خبرا يرويه الحسن يرفعه، أن قل هو الله أحد سبعا و قل أعوذ برب الفلق سبعا و قل أعوذ برب الناس [ ص: 1241 ] سبعا حفظه الله إلى مثلها. من قرأ يوم الجمعة بعد الصلاة إذا سلم وهو ثان إحدى رجليه قبل أن يعطفهما أو قبل أن يتكلم:
ثم خرجت وركبت في الطريق من باب يسمى باب الجهاد، باب قزوين وتبعني غلامي سيما، وجماعة نحو خمسة أنفس، فلما بلغت باب الجيلاني إذا الجماعة قد خرجوا علي من مواضع كانوا متكمنين فيها بالسلاح يريدونني، فاشتغل بهم بعض ما كان معي، وحركت الدابة، وبقي معي غلامي، سيما، وآخر حتى بلغت درب المصلى، فخرج من وراء الدرب جماعة بالسكاكين والسلاح يريدونني، فحركت الدابة وخرجوا خلفي.
قال فأخبرني علي بن إبراهيم: محمد العطار وكان مع الشيخ يومئذ أن أحدهم لقي الشيخ، وأشار بالسكين قاصدا إليه فضرب السرج ولم يصب الشيخ ولا الدابة.
قال عبد الرحمن ونجوت منهم، فلما صرت في وسط الخندق، وفيه مسجد صغير خرج علي من المسجد نحو ثلاثين نفسا بالسلاح يريدونني وأنا وحدي فوقفت أنظر إليهم، فجاء ثلاثة منهم فتعلق واحد منهم برجلي اليسرى وآخر برجلي اليمنى وآخر بلجام الدابة، فضربت المتعلق برجلي اليسرى بالمقرعة، فتنكس في الخندق، وقرعت المتعلق بلجام الدابة بالمقرعة، وحركت الدابة، فانفرجوا عني، فأخذت طريق الطبريين إلى المنزل فلما قربت من المنزل رآني رجل من أصحاب الزعفراني ، فقال لي: يا كافر أنت بعد تعيش، حتى وصلت إلى قرب منزلي، وقد اتصل الخبر [ ص: 1242 ] بالجيران والأهل أن عبد الرحمن قتل، فاستقبلني جماعة يبكون، فقلت: أنا في عافية والحمد لله، فصرت إلى المنزل.
قال فلمثل هذا وأشباهه. علي بن إبراهيم:
قال عبد الرحمن: اكتب محنتي فإنها أعجب من محنة أحمد .
وقيل: إن امرأة توفيت فمضى عبد الرحمن للتعزية، وكانت في مسجد يعرف بمسجد المرزي في سكة الباغ، فبينا هم كذلك إذا وافى أصحاب الزعفراني وقد علموا أن عبد الرحمن هناك ومعهم خلق عظيم، فأخذوا بباب المسجد يريدون عبد الرحمن ولم يكن للمسجد باب غيره، وكان فيه شباك من جانب آخر إلى الطريق، وكان مع عبد الرحمن نفر من أصحابه، فلما رأوا أنهم قد أخذوا الباب، وثبوا إلى الشباك فانتزعوه وخرج عبد الرحمن من موضع الشباك ونجاه الله تعالى.
قال: وأغاروا على دار عبد الرحمن ، وحملوا من داره الأثاث والآلات، فخرج إلى السربان، محلة بالري، فأقام بها ستة أشهر، فلما رجع إلى داره بعد ثلاثة أيام، خرج من دار النساء إلى دار الرجال يتمسح للصلاة فسمع الصياح، فقال: إيش هذا؟ قالوا: مات [ ص: 1243 ] الزعفراني ، فقال: ما شاء الله.
لم يزد عليه، ثم مشى خطوتين أو ثلاث، فقال: لا إله إلا الله وإليه المصير.
قال: وكان أقل ما يشتغل بذكر الزعفراني وذكر أصحابه مع ما نال من جهته، ولم يدعنا نشتغل بذكره، وقال: اشتغلوا بذكر الله يكون خيرا لكم وأفضل.
قال أهل التاريخ: وقع الدود في لسان الزعفراني قبل موته.
وقيل: مات بورم الرأس، ووقع في لسانه الدود.
قال علي بن أحمد البزاز: كنت حاجا سنة تسع وثلاثمائة، فكنت عند بيت الله الحرام، والخلق في الطواف، إذ قام منادى على الحجر فقال: أيها الناس العنوا الزعفراني وأصحابه، ونادى لعن الله الزعفراني ، وفي رواية، فلعنه الناس معه، قال: ورجعت إلى بغداد، فسمعت في دار القطن رجلا يسقي الناس الماء وهو ينادي ويقول: اشربوا مجانا ماء باردا والعنوا الزعفراني ، فكانوا يشربون ويلعنون.
وقال أحمد بن الحسن الرازي: رأيت ابن أبي الحسن القصار ، وكان من الجهمية يريد دخول الحمام فقال له رجل: إن ، يقول: رأيت هاتفا يقول لي: كذا وكذا. عبد الرحمن بن أبي [ ص: 1244 ] حاتم
فقال: يكذب.
فقالوا له: لا تقل.
فقال: إن كان صادقا خرس الله لساني، وإن كان كاذبا خرسه الله، فدخل الحمام على أثر ذلك، فأخرس الله لسانه من ساعته فخرج وهو أخرس، ثم رجع إلى بيته فأقام ستة أشهر لا يتكلم إلا بالإشارة، ثم خرج من البلد أنفة وما رجع إليه بعد ذلك.