الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
765 - حدثنا عبد الله: ، قثنا عبيد الله بن معاذ أبو عمرو العنبري ، قثنا المعتمر ، قال: قال أبي: نا أبو نضرة ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري ، قال: سمع عثمان أن وفد أهل مصر قد أقبلوا، قال: فاستقبلهم، قال: وكان في قرية له خارجا من المدينة، أو كما قال، فلما سمعوا به أقبلوا نحوه إلى المكان الذي هو فيه، أراه قال: وكره أن يقدموا عليه المدينة أو نحوا من ذلك، قال: فأتوه فقالوا: ادع لنا بالمصحف، فدعا بالمصحف، فقالوا له: افتح السابعة، قال: وكانوا يسمون سورة يونس السابعة، قال: فقرأها حتى أتى على آخر هذه الآية قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ،  قال: قالوا له: قف، قال: قالوا له: أرأيت ما حميت من الحمى، آلله أذن لك أم على الله تفتري؟ قال: فقال: أمضه، نزلت في كذا وكذا، قال: وأما الحمى فإن عمر حمى الحمى قبلي لإبل الصدقة، فزدت في الحمى لما زاد من إبل الصدقة، أمضه، قال: فجعلوا يأخذونه بالآية فيقول: أمضه نزلت في كذا وكذا، قال: والذي يلي كلام عثمان يومئذ في سنك، قال: يقول أبو نضرة: يقول لي ذاك أبو [ ص: 471 ] سعيد، قال أبو نضرة: وأنا في سنك يومئذ، قال: ولم يخرج وجهي يومئذ، لا أدري لعله قد قال مرة أخرى: وأنا يومئذ ابن ثلاثين سنة، قال: وأخذ عليهم أن لا يشقوا عصا المسلمين، ولا يفارقوا جماعة ما أقام لهم شرطهم، أو كما أخذوا عليه، قال: فقال لهم: وما تريدون؟ قالوا: نريد أن لا يأخذ أهل المدينة عطاء، فإنما هذا المال لمن قاتل عليه، ولهذه الشيوخ من أصحاب محمد، قال: فرضوا وأقبلوا معه إلى المدينة راضين، قال: فقام فخطب قال: ألا إن من كان له زرع فليلحق بزرعه، ومن كان له ضرع فليلحق به، ألا إنه لا مال لكم عندنا، إنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهذه الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال: فغضب الناس وقالوا: مكر بني أمية، قال: ثم رجع الوفد المصريون راضين، فبينا هم بالطريق، إذا هم براكب يتعرض لهم ثم يفارقهم ثم يرجع إليهم، ثم يفارقهم ويسبهم، قال: فقالوا له: ما لك؟ إن لك لأمرا، ما شأنك؟ قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، قال: ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه إلى عامل مصر أن يصلبهم، أو يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم، قال: فأقبلوا حتى قدموا المدينة، قال: فأتوا عليا فقالوا: ألم تر أنه كتب فينا بكذا وكذا؟ فمر معنا إليه، قال: لا والله لا أقوم معكم، قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قال: لا والله ما كتبت إليكم كتابا قط، قال: فنظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم لبعض: ألهذا تقاتلون، أو لهذا تغضبون؟ قال: وانطلق علي فخرج من المدينة إلى قرية، وانطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا: كتبت فينا بكذا وكذا، فقال: إنما هما اثنتان، أن تقيموا علي رجلين من المسلمين، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت، قال: وقال: قد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل، وقد ينقش الخاتم على الخاتم. قال: حصروه في القصر، قال: فأشرف عليهم ذات يوم فقال: السلام عليكم، قال: فما أسمع أحد من الناس رد عليه، إلا أن يرد رجل في نفسه، قال: فقال: أنشدكم الله، هل علمتم أني اشتريت رومة من مالي يستعذب بها؟ قال: فجعلت رشائي فيها كرشاء رجل من المسلمين، قال: قيل: نعم، قال: فعلام [ ص: 472 ] تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ قال: وأنشدكم الله، هل علمتم أني اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته في المسجد؟ قال: قيل: نعم، قال: فهل علمتم أن أحدا من الناس منع أن يصلي فيه قبلي؟ قال: وأنشدكم الله، هل سمعتم نبي الله صلى الله عليه وسلم - يذكر شيئا في شأنه، وذكر أرى كتابه المفصل - قال: ففشا النهي، قال: فجعل الناس يقولون: قال: مهلا عن أمير المؤمنين، مهلا عن أمير المؤمنين، قال: وفشا النهي، قال: فقام الأشتر قال: فلا أدري أيومئذ أم يوم آخر؟ قال: فلعله قد مكر بي وبكم، قال: فوطيه الناس حتى ألقى كذا وكذا، قال: ثم أشرف عليهم مرة أخرى، فوعظهم وذكرهم، فلم تأخذ فيهم الموعظة، قال: وكان الناس تأخذ فيهم الموعظة أول ما يسمعونها، فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم، أو كما قال، قال: ورأى في المنام كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أفطر عندنا الليلة" ، قال: ثم إنه فتح الباب ووضع المصحف بين يديه قال: فزعم الحسن أن محمد بن أبي بكر دخل عليه فأخذ بلحيته، فقال عثمان: لقد أخذت مني مأخذا، أو قعدت مني مقعدا، ما كان أبو بكر ليقعده، أو ليأخذه، قال: فخرج وتركه، قال: وقال في حديث أبي سعيد: ودخل عليه رجل، فقال: بيني وبينك كتاب الله، قال: فخرج وتركه، قال: فدخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، قال: والمصحف بين يديه، قال: فيهوي إليه بالسيف قال: فاتقاه بيده فقطعها، فلا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها، فقال: أما والله إنها لأول كف قد خطت المفصل، قال: ودخل عليه رجل يقال له: الموت الأسود، قال: فخنقه، وخنقه، قال: ثم خرج قبل أن يضرب السيف، فقال: والله ما رأيت شيئا قط هو ألين من حلقه، والله لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل نفس الجان يتردد في جسده.

قال: وفي غير حديث أبي سعيد: فدخل عليه التجوبي فأشعره مشقصا، قال: فانتضح الدم على هذه الآية فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، قال: فإنها في [ ص: 473 ] المصحف ما حكت، قال: وأخذت ابنة الفرافصة - في حديث أبي سعيد - حليها فوضعته في حجرها وذاك قبل أن يقتل، قال: فلما أشعر وقتل تفاجت عليه، فقال بعضهم: قاتلها الله ما أعظم عجيزتها، قالت: فعرفت أن أعداء الله لم يريدوا إلا الدنيا.

التالي السابق


الخدمات العلمية