الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        قوله جل وعز: إن أول بيت وضع للناس   .

        711 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال: حدثنا محمد بن بكير ، قال: حدثنا أبو معشر ، عن نافع مولى آل الزبير ، وسعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال: "إن الكعبة خلقت قبل الأرض بألفي سنة، وهي قرار الأرض، قال: إنما كانت خشفة أو حشفة على الماء عليها ملكان من الملائكة يسبحان الليل والنهار، ألفي سنة، فلما أراد الله عز وجل أن يخلق الأرض دحاها منها، فجعلها في وسط الأرض"   .

        712 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال: حدثنا قبيصة ، قال: حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: " خلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة، ودحيت الأرض من تحتها " .

        713 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال: حدثنا سليمان بن حرب ، قال: حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال: قال الله جل وعز لآدم : "إني مهبط معك بيتا تطوف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي"  ، قال: فلم يزل كذلك حتى كان زمان الطوفان، فرفع حتى بوئ لإبراهيم مكانه، فبناه من خمسة أجبل من حراء ، [ ص: 295 ] وبثير ، ولبنان ، والطور ، وجبل الخمر ، قال: قال عبد الله بن عمرو : وأيم الله لتهدمنه أيتها الأمة ثلاث مرار، يرفع عند الثالثة، فاستمتعوا منه ما استطعتم.

        714 - حدثنا النجار ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : إن أول بيت وضع للناس قال: " أول بيت وضعه الله، فطاف به آدم ، ومن بعده   ".

        715 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني ، قال: حدثنا عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه ، قال: " لما تاب الله عز وجل على آدم أمره أن يسافر إلى مكة  ، فطوى له الأرض والمفاوز، فصار كل مفازة يمر بها خطوة، وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله له خطوة، فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة ، وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان به من عظم المصيبة، حتى إن كانت الملائكة [ ص: 296 ] لتبكي لبكائه، وتحزن لحزنه، فعزاه الله عز وجل بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة ، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة، فيها ثلاثة قناديل من ذهب نور، تلتهب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الركن، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة، وكان كرسيا لآدم يجلس عليه، فلما صار آدم بمكة حرسه الله، وحرس له تلك الخيمة بالملائكة كانوا يحرسونها، ويذودون عنها سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجن والشياطين، فلا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة، لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له، والأرض يومئذ طاهرة نقية لم تنجس، ولم يسفك فيها الدماء، ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستديرين، فالحرم كله من خلفهم، والحرم كله من أمامهم، فلا يجوزهم جني ولا شيطان، ومن أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة، وحرم على حواء دخول الحرم، والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة، فلم تنظر إلى شيء من ذلك، حتى قبضت.

        [ ص: 297 ] وإن آدم صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد لقاءها ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله عز وجل آدم ، ورفعها إليه، وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانا: بيتا بالطين والحجارة، فلم يزل معمورا يعمرونه، ومن بعدهم حتى كان زمن نوح ، فنسمه الغرق وخفي مكانه، فلما بعث الله عز وجل إبراهيم خليله، طلب الأساس، فلما وصل إليه ظلل الله مكان البيت بغمامة، فكانت حفاف البيت الأول، ثم لم تزل راكدة على حفافة تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد، حتى رفع القواعد وأقام، ثم تكشفت الغمامة، قال: فذلك قول الله جل وعز: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت الغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد".

        قال وهب بن منبه : وقرأت في كتاب من الكتب الأول، ذكر فيه أمر الكعبة ، فوجد فيه، أن ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض، إلا أمره بزيارة البيت ، فينقض من عند العرش محرما ملبيا حتى يستلم الحجر، ثم يطوف سبعا بالبيت، ويصلي في جوفه ركعتين.

        716 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال: حدثنا أبو نعيم ، قال: حدثنا شريك ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن علي ، في قوله عز وجل: [ ص: 298 ]

        إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين قال: هو أول بيت وضع لعبادة الله، وقد بنيت البيوت قبله.

        717 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال: حدثنا سعيد بن منصور ، قال: حدثنا سفيان بن عيينة ، عن بشر بن عاصم ، عن سعيد بن المسيب ، قال: حدثنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال: " أقبل إبراهيم عليه السلام من أرمينية ، ومعه السكينة فدله، حتى بنوا البيت كما بنوا العنكبوت بيتا، فكان يحمل أحجار الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلا، فقلت: يا أبا محمد ، إن الله عز وجل يقول: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل قال: كان ذلك بعد".

        718 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال: حدثنا عفان ، قال: حدثنا خالد بن الحارث ، قال: حدثنا أشعث ، عن الحسن ، في قوله جل وعز: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة قال: " أول قبلة أعملت للناس المسجد الحرام ".

        719 - حدثنا علي بن المبارك ، قال: حدثنا زيد ، قال: حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج ، قال: وقال آخرون في قوله: إن أول بيت وضع للناس قال آخرون: قالت اليهود: بيت المقدس أعظم، لأنها مهاجر الأنبياء، [ ص: 299 ] ولأنه في الأرض المقدسة، فقال المسلمون: بل الكعبة أعظم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فذلك حتى قوله: فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، وليس ذلك في بيت المقدس ومن دخله كان آمنا ، وليس ذلك في بيت المقدس ، ولله على الناس حج البيت وليس ذلك لبيت المقدس .

        قوله جل وعز: للذي ببكة مباركا .

        720 - حدثنا موسى ، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال: حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن أخيه ، عن ابن الزبير ، قال: "إنما سميت بكة موضع البيت، ومكة ما حوله"، وكذلك روي عن النخعي ، وأبي مالك ، وأبي صالح ، وسلمة بن كهيل .

        721 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال: حدثنا سعيد ، قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن مسعر ، عن عتبة بن قيس ، قال: "إن مكة بكت [ ص: 300 ] بكاء، الذكر فيها كالأنثى ،  فقلت: كأن هذا من قول ابن عمر ، فقال: بل هو من قول عمر .

        722 - حدثنا علي ، قال: حدثنا حجاج ، قال: حدثنا حماد ، عن حماد الكوفي ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال: " بكت الرجال بالنساء، والنساء بالرجال في الطواف، بعضهم ببعض " .

        723 - حدثنا محمد بن علي ، قال: حدثنا سعيد ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، عن سعيد ، قال: أخبرني سلمة بن كهيل ، قال: سمعت مجاهدا ، يقول: " إنما سميت بكة ، لأن الناس يبك بعضهم بعضا " .

        - وكذلك قال قتادة .

        724 - أخبرنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا الأثرم ، عن أبي عبيدة : للذي ببكة قال: " للذي ببكة هو اسم لبطن مكة ؛ وذلك لأنهم يتباكون فيها ويزدحمون ".

        [ ص: 301 ]

        725 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال: حدثنا حسين المروزي ، قال: حدثنا أبو صالح ، قال: حدثني يعقوب بن عبد الرحمن ، أنه سأل محمد بن زيد بن المهاجر ، أن يكتب له في منزل في داره بمكة ، فكتب إلى ابن فروخ : "إياك أن تكريها، أو تأكل كراها، فإنها، إنما سميت بكة ، لأنها تبك الظلمة" .

        726 - حدثنا زكريا ، قال: حدثنا إسحاق ، قال: أخبرنا يحيى بن آدم ، عن عبد السلام بن حرب ، عن عطاء بن السائب ، عن وبرة ، قال: صليت إلى جنب أبي جعفر بمكة ، فمرت امرأة فرددتها، فضرب بيدي، فلما صلى، قال: "أتدري لم سميت بكة ؟ قلت: لا، قال: لأن الناس تبك فيها بعضهم بعضا، ولها سنة ليست لسائر البلدان" .

        727 - حدثنا النجار ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، قال: " وبكة : بك الناس بعضهم بعضا، الرجال والنساء، جميعا يصلي بعضهم بين يدي بعض، ويمر بعضهم بين يدي بعض، ولا يصلح ذلك إلا بمكة ".

        [ ص: 302 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية