الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        قوله جل وعز : وليعلم الذين نافقوا  إلى قوله : أو ادفعوا .

        1158 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق : وليعلم الذين نافقوا ، أي : ليطهر ما فيكم ، وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا يعني : عبد الله بن أبي وأصحابه ، الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين سار رسول الله إلى عدوه من المشركين بأحد [ ص: 482 ] .

        1159 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا إسحاق بن راهويه ، قال : أخبرنا عيسى ، قال : حدثنا سليمان الطائفي ، عن أبي حازم ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : لو بعت داري فلحقت بثغر من ثغور المسلمين ، فكنت بين المسلمين وبين عدوهم ، قلت : كيف وقد ذهب بصرك ؟ ! قال : ألم تسمع إلى قول الله عز وجل : تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، أسود مع الناس ، ففعل .

        1160 - حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، قال : حدثنا حفص بن أبي داود ، عن كثير بن شنظير ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله عز وجل : تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قال : تكثروا بأنفسكم وإن لم تقاتلوا .

        1161 - حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، قال : حدثنا يعقوب يعني : ابن عبد الله القمي قال : أخبرنا شعيب بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله عز وجل : تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قال : كونوا سوادا أو كثروا .

        1162 - حدثنا علي بن المبارك ، قال : حدثنا زيد ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج في قوله عز وجل : أو ادفعوا بكثرتكم العدو ، وإن لم يكن قتال [ ص: 483 ] .

        قوله جل وعز : قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم .

        1163 - قال أبو بكر : وجدت في كتابي ، عن زكريا قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني ابن كثير أن مجاهدا ، ابتدأه فأخبره عن قوله عز وجل : قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم لو نعلم أنا واجدون معكم مكان قتال ، لاتبعناكم .

        1164 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق : قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، يعني : عبد الله بن أبي وأصحابه ، الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين سار إلى عدوه من المشركين بأحد ، وقولهم : لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم ، ولدافعنا عنكم ، ولكنا لا نظن أن يكون قتال فأظهر منهم ما كانوا يخفون في أنفسهم ، يقول الله جل ذكره : للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان .

        1165 - أخبرنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا الأثرم ، عن أبي عبيدة : لو نعلم قتالا ، لو نعرف قتالا [ ص: 484 ] .

        1166 - أخبرنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن شهاب الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن ، وغيرهم من علمائنا وقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قال : خرجت قريش حتى نزلوا بعينين : جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة ، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله : إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام ، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها . وقال عبد الله بن أبي : يا رسول الله أقم بالمدينة ، ولا نخرج إليهم ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا  ، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منهم ، فدعهم يا رسول الله ، فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا ! .

        فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم ، حتى دخل رسول الله فلبس لأمته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في ألف رجل ، من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد تحول عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس ، وقال : أطاعهم وعصاني ، والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس ؟ ! فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق ، وأهل الريب ، واتبعهم عبد الله بن عمر بن حرام ، أخو بني سلمة ، يقول : يا قوم [ ص: 485 ] أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عند ما حضرهم عدوهم ! ! قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ، ولكن لا نرى أن يكون قتال .

        فلما استعصوا عليه ، وأبوا إلا الانصراف عنهم ، قال : أبعدكم الله ، أي أعداء الله ! ! فيستغني الله عنكم ! ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

        قال ابن إسحاق : وكان عبد الله بن أبي بن سلول -كما حدثني ابن شهاب الزهري - له مقام يقومه ، في كل جمعة ، لا يتركه شرفا له في نفسه وفي قومه ، وكان فيهم شريفا ، إذ جلس رسول الله يوم الجمعة ، ليخطب الناس قال : فقال : أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم ، أكرمكم الله به وأعزكم به ، فانصروه وعزروه ! واسمعوا وأطيعوا ! ثم يجلس ، حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع ، ورجع الناس قام يفعل كما كان يفعل ، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه ، وقالوا : اجلس يا عدو الله ! لست لذلك بأهل ! قد صنعت ما صنعت ! .

        فخرج يتخطى رقاب الناس ، ويقول : والله لكأنما قلت بجرا إن قمت أسدد أمره ، فلقيه رجل عند باب المسجد ، فقال : ما لك ؟ فقال قمت أسدد أمره ، فوثب علي أصحابه يجذبوني ويعنفوني كأني قلت : بجرا ، قال : ويلك ! ارجع يستغفر لك رسول الله ! فقال : والله ما أبتغي أن يستغفر لي ! .

        وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص ، اختبر الله به المؤمنين ، ومحص به المنافقين ، ممن يظهر الإيمان بلسانه ، وهو مستخف بالكفر في قلبه
        ! [ ص: 486 ] .

        قوله جل وعز : للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان .

        1167 - حدثنا علي ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا إبراهيم ، عن ابن إسحاق : يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم أي : يظهرون لكم الإيمان ، وليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون أي : مما يخفون .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية