ثم أبو بكر سنة اثنتي عشرة ، واستخلف على المدينة وخرج لليلتين بقيتا من ذي القعدة ، وأحرم من عثمان بن عفان ، ذي الحليفة ، وقدم مكة لسبع خلون من ذي الحجة ، وكان قد ساق معه عشر بدنات ، فخطبهم قبل التروية بيوم في مسجد الحرام ، وأمرهم بتقوى الله ونهاهم عن معصيته ، وعظم عليهم حرمة الإسلام ، وأمرهم بالقصد في مسيرهم والترفق ، وتلا عليهم آيات من القرآن ، ثم قال : من استطاع منكم أن يصلي الظهر بمنى غدا فليفعل ، ثم حج لهم ، ونحر البدن ، ورمى الجمار ماشيا ذاهبا وجائيا . خرج
ومات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة ، وكان يسمى جرو البطحاء ، وأوصى إلى فزوج الزبير بن العوام ، الزبير ابنته ثم قفل علي بن أبي طالب ، أبو بكر من الحج إلى المدينة ، فلما قدمها كتب إلى يريد خالد بن الوليد العراق ، وقد قيل : إنه قد قدم المدينة ، ثم خرج إلى العراق ، فلما بلغ إلى قريات من السواد ، يقال لهن : خالد بن الوليد بانقياء باروسما وأليبس ، صالح أهلها ، وكان الذي صالحه عليها ابن صلوبا [ ص: 183 ] فقبل منهم الجزية ، وكتب له كتابا : "بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من خالد بن الوليد لابن صلوبا السوادي ، ومنزله بشاطئ الفرات ، أنك آمن بأمان الله ممن حقن دمه بإعطاء الجزية ، وقد أعطيت عن نفسك ومن كان في قريتك ألف درهم فقبلناها ، ورضي من معي من المسلمين بها عنك ، فلك ذمة الله وذمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وذمم المسلمين على ذلك " . وشهد هشام بن الوليد . ثم خالد حتى نزل الحيرة ، وكان عليها قبيصة بن إياس بن حية الطائي أمير الكسرى ، فخرج إليه بأشرافهم ، فقال لهم خالد : أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين ، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم ، وإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم الجزية فقد أتيتكم بأقوام أحرص على الموت منكم على الحياة ، جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم ، فقال له قبيصة بن إياس : ما لنا بحربك من حاجة ، بل نقيم على ديننا ونعطيك الجزية ، فصالحهم على تسعين ألف درهم كل سنة ، فكانت أول جزية وقعت أقبل بالعراق هذه والتي صالح عليها ابن صلوبا .