الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 129 ] الوجه الثاني :

                  أن يقال : ما نقله عن الإمامية لم ينقله على وجهه ، فإنه [1] من تمام قول [ الإمامية ] الذي [2] حكاه - وهو قول من وافق المعتزلة . [3] في توحيدهم ، وعدلهم من متأخري الشيعة - أن الله لم يخلق شيئا من أفعال الحيوان : لا الملائكة ، ولا الأنبياء ، ولا غيرهم ، بل هذه الحوادث التي تحدث [4] تحدث بغير قدرته ، ولا خلقه .

                  ومن قولهم أيضا : إن الله تعالى لا يقدر أن يهدي ضالا ، ولا [ يقدر ] أن [5] يضل مهتديا ، ولا يحتاج أحد من الخلق إلى أن يهديه الله ، بل الله قد هداهم هدى البيان ، وأما الاهتداء ، فهذا يهتدي بنفسه لا بمعونة الله له ، وهذا يهتدي بنفسه [6] لا بمعونة الله له .

                  ومن قولهم : إن هدى الله للمؤمنين [7] ، والكفار سواء ليس له على المؤمنين نعمة في الدين أعظم من نعمته على الكافرين ، بل قد هدى علي بن أبي طالب ، كما هدى أبا جهل بمنزلة الأب الذي يعطي أحد بنيه دراهم ، ويعطي الآخر مثلها لكن هذا أنفقها في طاعة الله ، وهذا في معصيته [8] ، [ ص: 130 ] فليس للأب من الإنعام على هذا في دينه أكثر مما له من الإنعام على الآخر .

                  ومن أقوالهم : إنه يشاء الله ما لا يكون [9] ، ويكون ما لا يشاء .

                  فإن قيل : فيهم من يقول : إنه يخص بعضهم ممن علم منه أنه إذا خصه بمزيد لطف [10] من عنده اهتدى بذلك [11] ، وإلا فلا .

                  قيل : فهذا هو حقيقة قول أهل السنة المثبتين للقدر ، فإنهم يقولون : كل من خصه الله بهدايته [12] إياه صار مهتديا ، ومن لم يخصه بذلك لم يصر مهتديا ، فالتخصيص ، والاهتداء متلازمان عند أهل السنة .

                  فإن قيل : بل قد يخصه بما لا يوجب الاهتداء ، كما قال تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) [ سورة الأنفال : 23 ] .

                  قيل : هذا التخصيص حق ، لكن دعوى : لا تخصيص إلا هذا ، غلط - كما سيأتي - بل كل ما يستلزم الاهتداء هو من التخصيص ] [13] .

                  وفي الجملة ، فالقوم [14] لا يثبتون لله مشيئة عامة ، ولا قدرة تامة [15] ، ولا خلقا متناولا لكل حادث ، وهذا القول أخذوه عن المعتزلة هم [16] أئمتهم فيه ، [ ص: 131 ] ولهذا كانت الشيعة فيه [17] على قولين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية