وهؤلاء يجيبون عن التسلسل بجوابين :
أحدهما : أن يقال : هذا التسلسل في الحوادث المستقبلة [1] لا في الحوادث الماضية ، فإنه إذا فعل فعلا لحكمة كانت الحكمة حاصلة بعد الفعل ، فإذا كانت تلك الحكمة يطلب منها حكمة أخرى بعدها كان تسلسلا في المستقبل . وتلك الحكمة الحاصلة محبوبة له وسبب لحكمة ثانية ، فهو لا يزال سبحانه يحدث من الحكم ما يحبه ويجعله سببا لما يحبه .
[2] ، فإن قالوا : والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين وغيرهم من أهل الملل وغير أهل الملل [3] النار دائمان نعيم الجنة [ وعذاب ] [4] مع تجدد الحوادث فيهما ، وإنما أنكر ذلك ، [ ص: 147 ] فزعم أن الجنة والنار يفنيان ، الجهم بن صفوان وأبو الهذيل العلاف [5] زعم أن حركات [ أهل ] [6] الجنة ، والنار تنقطع [7] ، ويبقون في سكون دائم .
وذلك أنهم لما اعتقدوا أن التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي ، والمستقبل قالوا هذا القول الذي ضللهم به أئمة الإسلام .
وأما : لأهل الحديث والكلام وغيرهم . تسلسل الحوادث في الماضي ، ففيه أيضا قولان لأهل الإسلام
فمن يقول : إنه تعالى [8] لم يزل متكلما إذا شاء ، ولم يزل ، فعالا إذا شاء أفعالا [9] تقوم بنفسه - بقدرته [10] ، ومشيئته - شيئا بعد شيء - يقول : إنه لم يزل يتكلم بمشيئته ، ويفعل بمشيئته شيئا بعد شيء مع قوله : إن كل ما سوى الله محدث [ مخلوق كائن بعد أن لم يكن ] [11] ، وإنه ليس في [ ص: 148 ] العالم شيء قديم مساوق لله ، كما تقوله الفلاسفة القائلون بقدم الأفلاك ، وأنها مساوقة لله في وجوده ، فإن هذا ليس من أقوال المسلمين .