وإنما عظمت حجتهم ، وقويت شوكتهم على أهل الكلام المحدث [ المبتدع ] [1] الذي ذمه السلف والأئمة من الجهمية  والمعتزلة  ، ومن  [ ص: 156 ] وافقهم من الأشعرية  والكرامية  والشيعة  ، ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم ، فإن هؤلاء لما اعتقدوا [2] أن الرب في الأزل كان يمتنع منه الفعل والكلام بمشيئته وقدرته - وكان حقيقة قولهم أنه لم يكن قادرا في الأزل على الكلام والفعل بمشيئته وقدرته لكون ذلك ممتنعا لنفسه ، والممتنع لا يدخل تحت المقدور - صاروا [3] حزبين : 
حزبا قالوا : إنه صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرا عليه [ لكونه صار الفعل والكلام ممكنا بعد أن كان [4] ممتنعا ، وإنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي ] [5] ، وهذا قول المعتزلة  ، والجهمية  ، ومن . وافقهم من الشيعة  ، وهو قول الكرامية  ، وأئمة الشيعة  كالهاشمية  وغيرهم . 
[ وحزبا ] قالوا [6]  : صار الفعل ممكنا بعد أن كان ممتنعا منه ، وأما الكلام ، فلا يدخل [7] تحت المشيئة ، والقدرة ، بل هو شيء واحد لازم لذاته ، وهو قول  ابن كلاب  [8] ،  والأشعري  ومن وافقهما . 
 [ ص: 157 ] أو قالوا : إنه [9] حروف ، أو حروف وأصوات قديمة الأعيان لا تتعلق بمشيئته ، وقدرته ، وهو قول طوائف من أهل الكلام والحديث والفقه [10] ، ويعزى ذلك إلى السالمية  [11] ، وحكاه [12]  الشهرستاني  عن السلف ، والحنابلة ، وليس هو [13] قول جمهور أئمة الحنابلة ، ولكنه قول طائفة منهم من أصحاب  مالك  ،  والشافعي  وغيرهم . 
وأصل هذا الكلام كان من الجهمية   [ أصحاب  جهم بن صفوان   ] [14] ، وأبي الهذيل العلاف  ونحوهما [15] قالوا : لأن الدليل قد دل على أن دوام  [ ص: 158 ] الحوادث ممتنع ، وأنه يجب أن يكون للحوادث مبدأ لامتناع حوادث لا أول لها  ، كما قد بسط في غير هذا الموضع . 
قالوا : فإذا كان الأمر كذلك . وجب أن يكون كل ما تقارنه الحوادث محدثا ، فيمتنع أن يكون البارئ لم يزل فاعلا متكلما بمشيئته ، وقدرته [16]  . 
بل يمتنع أن يكون لم يزل قادرا على ذلك ; لأن القدرة على الممتنع ممتنعة ، فيمتنع أن يكون قادرا على دوام الفعل والكلام بمشيئته وقدرته . 
				
						
						
