وإن قيل : إن الإرادة القديمة الأزلية [ ليست ] [1] مستلزمة لمقارنة مرادها لها لم يجب أن يكون المراد قديما أزليا ، ولا يجوز أن يكون حادثا ; لأن حدوثه بعد أن لم يكن يفتقر إلى سبب حادث كما تقدم .
وإن [2] جاز أن يقال : [ إن ] [3] - كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام [ ص: 181 ] من الحوادث تحدث بالإرادة القديمة الأزلية من غير تجدد أمر من الأمور الأشعرية ، والكرامية ، [ وغيرهم ] [4] ، ومن وافقهم من أتباع الأئمة أصحاب مالك والشافعي وغيرهم - كان هذا مبطلا لحجة هؤلاء الفلاسفة على قدم العالم . وأحمد
فإن أصل حجتهم أن الحوادث لا تحدث إلا بسبب حادث ، فإذا جوزوا حدوثها [5] عن القادر المختار بلا سبب حادث ، أو جوزوا حدوثها بالإرادة القديمة الأزلية بطلت عمدتهم ، وهم لا يجوزون [6] ذلك .
وأصل هذا الدليل أنه لو كان شيء من العالم قديما للزم أن يكون صدر عن مؤثر تام سواء سمي علة تامة ، أو موجبا بالذات ، أو قيل : إنه قادر مختار ، واختياره أزلي مقارن لمراده في الأزل [7] ، ويمتنع [8] أن يكون في الأزل ، ويمتنع أن يكون في الأزل قادر مختار يقارنه مراده سواء سمي ذلك علة تامة ، أو لم يسم ، وسواء سمي موجبا بالذات ، [ أو لم يسم ] [9] ، بل يمتنع أن يكون شيء من المفعولات [ المعينة ] [10] العقلية مقارنا لفاعله الأزلي في الزمان ، وامتناع هذا معلوم بصريح العقل عند جماهير العقلاء من الأولين والآخرين ، ويمتنع أن يكون في الأزل علة تامة ، أو موجب بالذات سواء [11] سمي قادرا مختارا ، أو لم يسم .
[ ص: 182 ] . وسر ذلك : أن ما كان كذلك لزم أن يقارنه أثره المسمى معلولا . أو مرادا ، أو موجبا بالذات ، أو مبدعا ، أو غير ذلك من الأسماء لكن مقارنة ذلك له في الأزل تقتضي أن لا يحدث عنه شيء بعد أن لم يكن حادثا ، ولو لم يكن كذلك لم يكن للحوادث فاعل ، بل كانت حادثة بنفسها ، وهذا ممتنع بنفسه ، فإثبات موجب بالذات أو فاعل مختار يقارنه مراده في الأزل يستلزم أن لا يكون للحوادث . [12] فاعل ، وهذا محال .