وأيضا فالمتكلمون الذين يثبتون الجوهر الفرد [1] ، أو كجمهور يقولون : إن الحركة والسكون أمران وجوديان المعتزلة والأشعرية وغيرهم يقولون : إن العالم لم يخل من الحركة والسكون ، ومن [2] الاجتماع والافتراق ، وهي حادثة ، فالعالم مستلزم للحوادث .
وهذا مبسوط في موضعه ، وفيه نزاع بين النظار ، ومقدماته فيها طول ونزاع ، وقد لا يتقرر بعضها ، فلا نبسطه في هذا الموضع إذ لا حاجة بنا إليه ، وهو من الكلام المذموم ، فإن كثيرا من النظار يقولون : إن السكون أمر عدمي ، ونقول [3] : ، والأجسام ليست مركبة من الجواهر الفردة إثبات الجوهر الفرد باطل [4] ، ولا من الهيولي والصورة ، بل الجسم واحد في نفسه ، وأما كون الأجسام كلها تقبل التفريق ، أو لا يقبله إلا بعضها ، فليس هذا موضع بسطه ، وبتقدير أن يقبل ما يقبل التفريق [5] ، فلا يجب أن يقبله إلى غير غاية ، بل يقبله إلى غاية [6] ، وبعدها يكون الجسم صغيرا لا يقبل التفريق الفعلي ، بل يستحيل إلى جسم آخر ، كما يوجد في أجزاء الماء إذا تصغرت [7] ، فإنها تستحيل هواء مع أن أحد جانبيها متميز عن [ ص: 213 ] الآخر ، فلا يحتاج إلى إثبات جزء لا يتميز منه جانب عن جانب ، ولا يحتاج إلى إثبات تجزئة وتفريق [8] لا يتناهى ، بل تتصغر [9] الأجسام ، ثم تستحيل إذا تصغرت [10] ، فهذا القول أقرب إلى العقول من غيره .
فلما كان دليل أولئك مبنيا على إحدى هاتين المقدمتين إثبات الجواهر الفردة [11] ، وأن الأجسام مركبة منها ، أو إثبات أن السكون [12] أمر وجودي ، والنزاع في ذلك مشهور ، والبرهان عند التحقيق لا يقوم إلا على نقيض ذلك لم يبسط الكلام في تقريره [13] .
ولا يحتاج . [14] في إثبات شيء مما جاءت به الرسل إلى طرق باطلة مثل هذه الطرق ، وإن كان الذين دخلوا فيها أعلم وأعقل من المتفلسفة [15] المخالفين ، وأقرب إلى صريح المعقول وصحيح المنقول لكن بسبب ما غلطوا فيه من السمعيات والعقليات شاركهم في بعض الغلط في ذلك أهل الباطل من المتفلسفة وغيرهم ، وضموا إليه أمورا أخرى أبعد عن العقل والشرع منه ، وصاروا يحتجون على أولئك المتكلمين الذين هم أولى بالشرع والعقل منهم ببطلان ما خالفوهم فيه [16] ، وخالفوا فيه [ ص: 214 ] الحق ، وصاروا يجعلون ذلك حجة على مخالفة الحق مقدرين أنه [17] لا حق عند الرسل وأتباعهم إلا ما يقوله هؤلاء المتكلمون ، وصاروا بمنزلة من جاور بعض جهال المسلمين وفساقهم من المشركين وأهل الكتاب ، فصار يورد [18] بعض ما أولئك فيه من الجهل والظلم ، ويجعل ذلك حجة على بطلان دين المسلمين مقدرا أن دين المسلمين هو ما أولئك عليه مع كونه هو أجهل ، وأظلم منهم ، كما يحتج طائفة [19] من أهل الكتاب من اليهود والنصارى على القدح في دين المسلمين بما يجدون في بعضهم من الفواحش إما بنكاح التحليل ، وإما [20] غيره ، وما يجدونه من الظلم ، أو الكذب ، أو الشرك ، فإذا قوبلوا على وجه الإنصاف وجدوا الفواحش والظلم والكذب والشرك [21] فيهم أضعاف ما يجدونه في المنتسبين إلى [ دين ] [22] الإسلام ، وإذا بين لهم حقيقة الإسلام تبين أنه ليس فيه شيء من تلك الفواحش ، والظلم ، والكذب ، والشرك ، فإنه ما من ملة إلا وقد دخل في بعض أهلها نوع من الشر لكن [ الشر ] [23] الذي دخل في غير المسلمين أكثر مما دخل في المسلمين والخير الذي يوجد في المسلمين أكثر مما يوجد في غيرهم ، وكذلك أهل السنة في الإسلام [ ص: 215 ] الخير فيهم [24] أكثر منه في أهل البدع ، والشر [ الذي ] [25] في أهل البدع أكثر منه في أهل السنة .