الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  قيل : هذا قياس باطل ، وتشبيه فاسد ، وذلك أن هؤلاء [1] إذا قالوا . هذا قالوا : الرب نفسه يفعل شيئا بعد شيء ، أو أن يتكلم بشيء ، وهذا ليس بممتنع ، بل هو جائز في صريح العقل ، فإن غاية ما يقال أن يكون وجود [ الأول ] [2] وانقضاؤه شرطا في الثاني ، كما يكون وجود الوالد شرطا في وجود الولد ، وأن يكون تمام فاعلية الثاني إنما حصلت عند عدم الأول ، ويكون عدم الأول إذا اشترط في الثاني فهو من جنس اشتراط عدم أحد الضدين في وجود الضد الآخر مع أن الفاعل للضد الحادث ليس هو عدم الأول ، فكيف إذا كان هو المعدم للأول .

                  وإذا قيل : فعله للثاني [3] مشروط بعدم الأول كان من باب اشتراط عدم الضد لوجود ضده ، ثم إن كان الشرط إعدام الأول كان فعله مشروطا بفعله ، والإعدام أمر وجودي ، وأيضا ، فالفاعل عند عدم الضد [ ص: 218 ] المانع يتم كونه مريدا قادرا ، وتلك أمور [4] وجودية ، وهو المقتضي لها إما بنفسه ، أو بما منه ، فلم يحصل موجود إلا منه وعنه .

                  وأما هؤلاء [5] ، فيقولون : إن الفاعل الأول [ لا ] [6] تقوم به صفة ولا فعل ، بل هو ذات مجردة بسيطة ، وإن الحوادث المختلفة تحدث عنها دائما بلا أمر يحدث منه ، وهذا مخالفة لصريح المعقول سواء سموه [7] موجبا [8] بالذات أو فاعلا بالاختيار ، فإن تغير المعلولات واختلافها [9] بدون تغير العلة ، واختلافها أمر مخالف لصريح المعقول ، وفعل الفاعل المختار لأمور حادثة مختلفة بدون ما يقوم به من الإرادة ، بل من الإرادات المتنوعة [10] مخالف لصريح المعقول .

                  وهؤلاء يقولون : مبدأ الحوادث كلها حركة الفلك ، وليس فوقه أمور حادثة توجب حركته مع أن حركات الفلك تحدث شيئا بعد شيء بلا أسباب حادثة تحدثها ، وحركات الأفلاك [11] هي الأسباب لجميع الحوادث عندهم ، فإذا لم يكن لها محدث كان حقيقة قولهم أنه ليس لشيء من الحوادث محدث ، وإن كان للفلك عندهم نفس ناطقة [12] ، [ ص: 219 ] فحقيقة قولهم في جميع الحوادث من جنس قول القدرية في فعل الحيوان .

                  ولهذا اضطر [13] ابن سينا في هذا الموضع إلى جعل الحركة ليست شيئا يحدث شيئا بعد شيء ، بل هو أمر واحد لم يزل موجودا ، كما قد [14] ذكرنا ألفاظه ، وبينا فسادها ، وأنه إنما قال ذلك لئلا يلزمه أنه [15] يحدث عن العلة التامة حادث بعد حادث ، فخالف صريح العقل ، والحس في حدوث الحركة شيئا بعد شيء ليسلم له ما ادعاه من أن رب العالمين لم يحدث شيئا ; لأنه عنده علة تامة ، وقد اعترف حذاقهم بفساد قولهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية