فصل 
وأما الحديث الذي رواه [1]  : عن  ابن عمر  عن النبي - صلى الله عليه وسلم [2]  : " يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي ، اسمه كاسمي [3] ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض عدلا [4] كما ملئت جورا ، وذلك [5] هو المهدي   " [6]  . 
فالجواب : أن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي  أحاديث صحيحة ، رواها  أبو داود  ،  والترمذي  ،  وأحمد  ، وغيرهم ، من حديث  ابن مسعود  وغيره . 
 [ ص: 255 ] كقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه  ابن مسعود   : " [ لو ] [7] لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم ، حتى يخرج فيه رجل مني ، أو من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما  " . ورواه  الترمذي  ،  وأبو داود  من رواية  أم سلمة  [8]  . 
وأيضا فيه : " المهدي من عترتي من ولد  فاطمة   " [9]  . ورواه  أبو داود  من طريق  أبي سعيد  ، وفيه : " يملك الأرض سبع سنين  " [10]  . 
ورواه عن  علي   - رضي الله عنه - أنه نظر إلى  الحسن  وقال : " إن ابني هذا سيد ، كما سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ، يملأ الأرض قسطا  " [11]  .  [ ص: 256 ] وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف : طائفة أنكروها ، واحتجوا [12] بحديث  ابن ماجه  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا مهدي  إلا عيسى بن مريم   " ، وهذا الحديث ضعيف ، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي  وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه ، ورواه  ابن ماجه  عن يونس  عن  الشافعي  ،  والشافعي  رواه عن رجل من أهل اليمن  ، يقال له : محمد بن خالد الجندي  ، وهو ممن لا يحتج به [13]  . وليس هذا في مسند  الشافعي  ، وقد قيل : إن  الشافعي  لم يسمعه من الجندي  ، وأن يونس  لم يسمعه من  الشافعي   . 
الثاني : أن الاثني عشرية الذين ادعوا أن هذا هو مهديهم ، مهديهم اسمه محمد بن الحسن   . والمهدي  المنعوت [14] الذي وصفه النبي - صلى  [ ص: 257 ] الله عليه وسلم - اسمه محمد بن عبد الله   ; ولهذا حذفت طائفة ذكر الأب من لفظ الرسول [15] حتى لا يناقض ما كذبت . وطائفة حرفته ، فقالت : جده الحسين ، وكنيته أبو عبد الله  ، فمعناه محمد بن أبي عبد الله  ، وجعلت الكنية اسما . 
وممن سلك هذا ابن طلحة  في كتابه الذي سماه " غاية السول في مناقب الرسول " [16] ، ومن أدنى نظر يعرف أن هذا تحريف صريح [17] وكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل يفهم أحد من قوله : " يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي  " إلا أن اسم أبيه عبد الله  ؟ وهل يدل هذا اللفظ على أن جده كنيته أبو عبد الله  ؟ 
ثم أي تمييز يحصل له بهذا ؟ فكم من ولد  الحسين  من اسمه محمد  ، وكل هؤلاء يقال في أجدادهم : محمد بن أبي عبد الله  كما قيل في هذا ؟ وكيف يعدل من يريد البيان إلى من اسمه محمد بن الحسن  ، فيقول : اسمه محمد بن عبد الله  ، ويعني بذلك أن جده أبو عبد الله  ؟ 
وهذا كان تعريفه [18] بأنه محمد بن الحسن  ، أو ابن أبي الحسن   ; لأن  [ ص: 258 ] جده على كنيته أبو الحسن   - أحسن من هذا ، وأبين لمن يريد الهدى  والبيان . 
وأيضا فإن المهدي  المنعوت [19] من ولد الحسن بن علي  ، لا من ولد  الحسين  ، كما تقدم لفظ حديث  علي   . 
الثالث : أن طوائف ادعى [20] كل منهم أن المهدي  المبشر به مثل مهدي القرامطة الباطنية  ، الذي أقام دعوتهم بالمغرب   ، وهو من ولد ميمون القداح  ، وادعوا أن ميمونا  هذا هو [21] من ولد محمد بن إسماعيل  ، وإلى ذلك انتسب الإسماعيلية  ، وهم ملاحدة في الباطن ، خارجون عن جميع الملل ، أكفر من الغالية كالنصيرية  ، ومذهبهم مركب من مذهب المجوس  والصابئة  والفلاسفة  ، مع إظهار التشيع ، وجدهم رجل يهودي كان ربيبا لرجل مجوسي ، وقد كانت لهم دولة وأتباع . 
وقد صنف العلماء كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ، مثل كتاب  القاضي أبي بكر الباقلاني  ، والقاضي عبد الجبار الهمداني  ، وكتاب  الغزالي  ، ونحوهم . 
وممن ادعى أنه المهدي ابن التومرت  ، الذي خرج أيضا بالمغرب  ، وسمى أصحابه الموحدين  ، وكان يقال له في خطبهم : " الإمام المعصوم " ، و " المهدي المعلوم " الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا  [ ص: 259 ] وظلما . وهذا ادعى أنه من ولد  الحسن  دون  الحسين   ; فإنه لم يكن رافضيا ، وكان له من الخبرة بالحديث ما ادعى به دعوى تطابق الحديث . 
وقد علم بالاضطرار أنه ليس هو الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم . 
ومثل عدة آخرين ادعوا ذلك : منهم من قتل [22] ، ومنهم من ادعى ذلك فيه أصحابه ، وهؤلاء كثيرون لا يحصي عددهم إلا الله ، وربما حصل بأحدهم نفع لقوم ، وإن حصل به ضرر لآخرين ، كما حصل بمهدي المغرب   : انتفع به طوائف ، وتضرر به طوائف [23] ، وكان فيه ما يحمد وإن كان [24] فيه ما يذم . 
وبكل حال فهو وأمثاله خير من مهدي الرافضة  ، الذي ليس له عين ولا أثر ، ولا يعرف له حس ولا خبر ، لم ينتفع به أحد لا في الدنيا ولا في الدين ، بل حصل باعتقاد وجوده من الشر والفساد ، مالا يحصيه إلا رب العباد . 
وأعرف في زماننا غير واحد من المشايخ ، الذين فيهم زهد وعبادة ، يظن كل منهم أنه المهدي ، وربما يخاطب أحدهم بذلك مرات متعددة ، ويكون المخاطب له بذلك الشيطان ، وهو يظن أنه خطاب من قبل الله . 
ويكون أحدهم اسمه أحمد بن إبراهيم  ، فيقال له : محمد   وأحمد  سواء ،  [ ص: 260 ] وإبراهيم الخليل  هو جد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبوك إبراهيم   ; فقد واطأ اسمك اسمه ، واسم أبيك اسم أبيه . 
ومع هذا فهؤلاء - مع ما وقع لهم من الجهل والغلط - كانوا خيرا من منتظر الرافضة  ، ويحصل بهم [25] من النفع ما لا يحصل بمنتظر الرافضة  ، ولم يحصل بهم من الضرر ما حصل بمنتظر الرافضة  ، بل ما حصل بمنتظر الرافضة  من الضرر أكثر منه [26]  . 
				
						
						
