وقول من يقول إنما تخلف من تخلف عن طاعته إما تعظيما لمرتبته أن يمحو اسمه ، أو يقول : مراجعة من راجعه في مصالحة المشركين إنما كانت قصدا لظهور الإيمان على الكفر ونحو ذلك . 
فيقال : الأمر الجازم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أراد به الإيجاب ، موجب لطاعته باتفاق أهل الإيمان ، وإنما نازع في الأمر المطلق بعض الناس لاحتمال أنه ليس بجازم أراد به الإيجاب ، وأما مع ظهور الجزم والإيجاب فلم يسترب أحد في ذلك . 
ومعلوم أن أمره بالنحر والحلق كان جازما وكان مقتضاه الفعل على الفور بدليل أنه ردده ثلاثا ، فلما لم يقم أحد دخل على  أم سلمة  فذكر لها ما لقي من الناس ، وروى أنه غضب وقال : مالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا [1] يتبع [2]  . 
وروي أنه قال ذلك لما أمرهم بالتحلل في حجة الوداع . 
 [ ص: 415 ] ومعلوم أن الأمر بالتحلل [3] بهذه العمرة التي أحصروا فيها كان أوكد من الأمر بالتحلل في حج الوداع . 
وأيضا فإنه كان محتاجا إلى محو اسمه من الكتاب ليتم الصلح ؛ ولهذا محاه بيده ، والأمر بذلك كان جازما . والمخالف لأمره إن كان متأولا فهو ظان أن هذا لا يجب ، لما فيه من قلة احترام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو لما [4] فيه من انتظار العمرة وعدم إتمام ذلك الصلح . فحسب المتأول أن يكون مجتهدا مخطئا فإنه مع جزم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشكيه ممن لم يمتثل أمره وقوله : " ما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر [5] ولا أتبع [6]  " لا يمكن [7] تسويغ المخالفة ؛ لكن هذا مما تابوا منه كما تابوا من غيره . 
فليس لأحد أن يثبت عصمة من ليس بمعصوم ، فيقدح بذلك في أمر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - ، كما فعل ذلك في توبة من تاب ، وحصل له بالذنب نوع من العقاب فأخذ ينفي على الفعل ما يوجب الملام ، والله قد لامه لوم المذنبين [8] فيزيد تعظيم البشر فيقدح [9] في رب العالمين [10]  . 
 [ ص: 416 ] ومن علم أن الاعتبار بكمال النهاية ، وأن التوبة تنقل العبد إلى مرتبة أكمل مما كان عليه  ؛ علم أن ما فعله الله بعباده المؤمنين كان من أعظم نعم الله عليهم . 
وأيضا ففي المواضع التي لا يكون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكابر الصحابة إلا واحد كان يكون هو ذلك الواحد ، مثل سفره في الهجرة ومقامه يوم بدر  في العريش : لم يكن معه فيه إلا  أبو بكر  ، ومثل خروجه إلى قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام كان يكون معه من أكابر الصحابة  أبو بكر   . 
وهذا الاختصاص في الصحبة لم يكن لغيره باتفاق أهل المعرفة بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأما من كان جاهلا أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كذابا فذلك يخاطب [11] خطاب مثله . 
فقوله تعالى في القرآن : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن   ) [ سورة التوبة : 40 ] لا يختص بمصاحبته في الغار ، بل هو صاحبه المطلق الذي كمل [ في ] الصحبة [12] كمالا لم يشركه فيه غيره ، فصار مختصا بالأكملية [13] من الصحبة . 
كما في الحديث رواه  البخاري  عن  أبي الدرداء  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أيها الناس اعرفوا  لأبي بكر  حقه ؛ فإنه لم  [ ص: 417 ] يسؤني قط ، أيها الناس إني راض عن  عمر   وعثمان   وعلي  وفلان وفلان  " [14]  . 
فقد تبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ خصه ] [15] دون غيره مع أنه قد جعل غيره من أصحابه أيضا ؛ لكن خصه بكمال الصحبة . 
ولهذا قال من قال من العلماء : إن فضائل الصديق  خصائص لم يشركه فيها غيره . 
ومن أراد أن يعرف فضائلهم ومنازلهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فليتدبر الأحاديث الصحيحة التى صححها أهل العلم بالحديث الذين كملت خبرتهم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحبتهم له ، وصدقهم في التبليغ عنه وصار هواهم تبعا لما جاء به ، فليس لهم غرض إلا معرفة ما قاله ، وتمييزه عما يخلط بذلك من كذب الكاذبين وغلط الغالطين . 
كأصحاب الصحيح : مثل :  البخاري  ،  ومسلم  ، والإسماعيلي  ،  [ ص: 418 ]  والبرقاني  ، وأبي نعيم  ،  والدارقطني  ، ومثل صحيح  ابن خزيمة   وابن منده  [16]  وأبي حاتم البستي   والحاكم   . 
وما صححه أئمة أهل الحديث [ الذين ] [17] هم أجل من هؤلاء ، أو مثلهم [18] من المتقدمين والمتأخرين ، مثل :  مالك   وشعبة  ويحيى بن سعيد   وعبد الرحمن بن مهدي  ،  وابن المبارك  ،  وأحمد  ،  وابن معين   وابن المديني  ، وأبي حاتم  وأبي زرعة  الرازيين ، وخلائق لا يحصي عددهم إلا الله تعالى . 
فإذا تدبر العاقل الأحاديث الصحيحة الثابتة عند هؤلاء وأمثالهم عرف الصدق من الكذب ؛ فإن هؤلاء من أكمل الناس معرفة بذلك وأشدهم رغبة في التمييز بين الصدق والكذب وأعظمهم ذبا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم المهاجرون إلى سنته وحديثه والأنصار له في الدين يقصدون ضبط ما قاله وتبليغه للناس ، وينفون عنه ما كذبه الكذابون [19] ، وغلط فيه الغالطون ، ومن شركهم في علمهم علم ما قالوه ، وعلم بعض قدرهم ، وإلا فليسلم القوس إلى باريها ، كما يسلم إلى الأطباء طبهم ، وإلى النحاة نحوهم ، وإلى الفقهاء فقههم ، وإلى أهل الحساب حسابهم مع أن جميع هؤلاء قد يتفقون على خطأ في  [ ص: 419 ] صناعتهم ؛ إلا الفقهاء فيما [20] يفتون به من الشرع ، وأهل الحديث فيما يفتون به من النقل ، فلا يجوز أن يتفقوا على التصديق بكذب ، ولا على التكذيب بصدق ؛ بل إجماعهم معصوم في التصديق والتكذيب بأخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أن إجماع الفقهاء معصوم [21] في الإخبار عن الفعل بدخوله في أمره أو نهيه ، أو تحليله أو تحريمه . 
ومن تأمل هذا وجد فضائل الصديق التي في الصحاح كثيرة ، وهي خصائص . مثل حديث المخالة ، وحديث : إن الله معنا ، وحديث إنه أحب الرجال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث الإتيان [22] إليه بعده ، وحديث كتابة العهد إليه بعده ، وحديث تخصيصه بالتصديق [23] ابتداء والصحبة ، وتركه له ، وهو قوله : " فهل أنتم تاركو لي صاحبي  " [24] وحديث دفعه عنه عقبة بن أبي معيط  لما وضع الرداء في عنقه حتى خلصه  أبو بكر  ؛ وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ! وحديث استخلافه في الصلاة وفي الحج ، وصبره وثباته بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وانقياد الأمة [ له ] [25] ، وحديث الخصال التي اجتمعت فيه في يوم ، وما اجتمعت في رجل إلا وجبت له الجنة وأمثال ذلك . 
 [ ص: 420 ] ثم له [26] مناقب يشركه فيها  عمر  كشهادته بالإيمان له  ولعمر  ، وحديث  علي  حيث يقول : كثيرا ما كنت أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " خرجت أنا  وأبو بكر   وعمر  ودخلت أنا  وأبو بكر   وعمر   " [27] وحديث استقائه من القليب ، وحديث البقرة التي يقول فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أؤمن بها أنا  وأبو بكر   وعمر   " [28] وأمثال ذلك . 
وأما مناقب  علي  التي في الصحاح فأصحها قوله : " يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله  " [29] ، وقوله في غزوة تبوك   : " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون  من موسى  إلا أنه لا نبي بعدي  " [30] ومنها دخوله في المباهلة [31] وفي الكساء [32] ومنها قوله : " أنت مني وأنا منك  " [33] ، وليس في شيء من ذلك خصائص . وحديث : " لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق  " [34] ، ومنها ما تقدم من حديث الشورى وإخبار  عمر  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو راض عن  عثمان   وعلي   وطلحة   والزبير  وسعد  وعبد الرحمن  [35]  . 
 [ ص: 421 ] فمجموع ما في الصحيح  لعلي  نحو عشرة أحاديث ، ليس فيها ما يختص به  ولأبي بكر  في الصحاح [36] نحو عشرين حديثا أكثرها خصائص . 
وقول من قال : صح  لعلي  من الفضائل ما لم يصح لغيره ؛ كذب لا يقوله  أحمد  ولا غيره [37] من أئمة الحديث ؛ لكن قد يقال : روي له ما لم يرو لغيره ، لكن أكثر ذلك من نقل من علم كذبه أو خطؤه ؛ ودليل واحد صحيح المقدمات سليم عن المعارضة خير من عشرين دليلا مقدماتها ضعيفة ، بل باطلة ، وهي معارضة بأصح منها يدل على نقيضها . 
والمقصود هنا بيان اختصاصه في الصحبة الإيمانية بما لم يشركه مخلوق ، لا في قدرها ولا في صفتها ولا في نفعها [38] ، فإنه لو أحصي الزمان الذي كان يجتمع فيه  أبو بكر  بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، والزمان الذي كان يجتمع فيه  عثمان  أو  علي  [39] أو غيرهما من الصحابة لوجد ما يختص به  أبو بكر  أضعاف ما اختص به واحد منهم لا أقول ضعفه [40]  . 
وأما المشترك بينهم فلا يختص به واحد . 
وأما كمال معرفته ومحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتصديقه له فهو  [ ص: 422 ] مبرز في ذلك على سائرهم تبريزا باينهم فيه مباينة لا تخفى على من كان له معرفة بأحوال القوم ومن لا معرفة له بذلك لم تقبل شهادته . 
وأما نفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاونته له على الدين فكذلك . 
فهذه الأمور التي هي مقاصد الصحبة ومحامدها التي بها يستحق الصحابة [41] أن يفضلوا بها على غيرهم  لأبي بكر  فيها من الاختصاص بقدرها ونوعها وصفتها وفائدتها ما لا يشركه فيه أحد . 
ويدل على ذلك ما رواه  البخاري  عن  أبي الدرداء  قال كنت جالسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أقبل  أبو بكر  آخذا بطرق ثوبه حتى أبدي عن ركبتيه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما صاحبكم فقد غامر فسلم " ، وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب  شيء فأسرعت إليه ، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك [42] ، فقال : " يغفر الله لك يا  أبا بكر   " ثلاثا ، ثم إن  عمر  ندم فأتى منزل  أبي بكر  فسأل أثم  أبو بكر  ؟ قالوا : لا ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعر حتى أشفق  أبو بكر  فجثا على ركبتيه وقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم . مرتين ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال  أبو بكر   : صدق . وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي " . مرتين . فما أوذي بعدها [43]  . 
 [ ص: 423 ] وفي رواية : كانت بين  أبي بكر   وعمر  محاورة فأغضب  أبو بكر   عمر  [44] فانصرف عنه مغضبا فأتبعه  أبو بكر  يسأله أن يغفر له ؛ فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه ؛ فأقبل  أبو بكر  إلى النبي - صلى الله عليه وسلم  - . . الحديث . قال : وغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه : " إني قلت يا أيها الناس : إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم : كذبت ، وقال  أبو بكر   : صدقت  " [45]  . 
فهذا الحديث الصحيح فيه تخصيصه بالصحبة في قوله : " فهل أنتم تاركو لي صاحبي ؟  " وبين فيه من أسباب ذلك : أن الله لما بعثه إلى الناس قال : " إني رسول الله إليكم جميعا " ، قالوا : كذبت ، وقال  أبو بكر   : صدقت ؛ فهذا يبين فيه أنه لم يكذبه قط ، وأنه صدقه [46] حين كذبه الناس طرا . 
وهذا ظاهر في أنه صدقه قبل أن يصدقه أحد من الناس الذين بلغهم الرسالة وهذا [47] حق فإنه أول ما بلغ الرسالة فآمن [48]  . 
وهذا موافق لما رواه  مسلم  عن عمرو بن عبسة  ، قلت : يا رسول الله من معك على هذا الأمر ؟ قال : " حر وعبد " ومعه يومئذ  أبو بكر   وبلال  [49]  . 
 [ ص: 424 ] وأما  خديجة   وعلي  وزيد  ؛ فهؤلاء كانوا من عيال النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي بيته  وخديجة  عرض عليها أمره لما فجأه الوحي ، وصدقته ابتداء قبل أن يؤمر بالتبليغ وذلك قبل أن يجب الإيمان به فإنه إنما يجب إذا بلغ الرسالة فأول من صدق به بعد وجوب الإيمان به  أبو بكر  من الرجال ، فإنه لم يجب عليه أن يدعو  عليا  إلى الإيمان ؛ لأن  عليا  كان صبيا ، والقلم عنه مرفوع . 
ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالإيمان وبلغه الرسالة قبل أن يأمر  أبا بكر  ويبلغه ولكنه كان في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمكن أنه آمن به لما سمعه يخبر  خديجة  وإن كان لم يبلغه ؛ فإن ظاهر قوله : " يا أيها الناس إني أتيت إليكم فقلت : إني رسول الله إليكم ، فقلتم : كذبت ، وقال  أبو بكر   : صدقت  " كما في الصحيحين [50] يدل على أن كل من بلغه الرسالة كذبه أولا إلا  أبا بكر   . 
ومعلوم أن  خديجة   وعليا  وزيدا  كانوا في داره ،  وخديجة  لم تكذبه فلم تكن داخلة فيمن بلغ . 
 [ ص: 425 ] وقوله في حديث عمرو بن عبسة   : قلت : يا رسول الله من معك على هذا الأمر ؟ قال : " حر وعبد  " [51]  . 
والذي في صحيح  مسلم  موافق لهذا ، أي : اتبعه من المبلغين المدعوين ، ثم ذكر قوله : " وواساني بنفسه وماله " [52] ، وهذه خاصة لم يشركه فيها أحد . 
وقد ذكر هذا [ النبي ] - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث المخالة التي هي متواترة عنه ، كما في الصحيحين عن  أبي سعيد الخدري  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس على المنبر ؛ فقال : " إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الحياة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى  أبو بكر  ، وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، قال : فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المخير ، وكان  أبو بكر  أعلمنا به ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن من [53] آمن الناس علي في صحبته وماله  أبو بكر  [54] ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت  أبا بكر  خليلا ؛ ولكن أخوة الإسلام . لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة  أبي بكر   " وفي رواية للبخاري [55]  : " لو كنت متخذا خليلا غير ربي [56] لاتخذت [57]  أبا بكر  خليلا ، ولكن أخوة الإسلام  [ ص: 426 ] ومودته  . * وفي رواية " إلا خلة الإسلام " . وفيه : " قال : فعجبنا له ، وقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ ، يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه الله من زهرة الحياة [58] الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا . وفي رواية : " وبين ما عنده فاختار ما عنده " ، وفيه فقال : " لا تبك إن آمن الناس علي في صحبته وماله  أبو بكر  ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت  أبا بكر  ولكن أخوة الإسلام ومودته * [59] لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب  أبي بكر   " [60]  . 
وروى  البخاري  من حديث  ابن عباس  قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : " إنه ليس أحد من الناس آمن علي في نفسه وماله من  أبي بكر بن أبي قحافة  ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت  أبا بكر  خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة  أبي بكر   " . 
وفي رواية : " لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته ، ولكن أخوة الإسلام أفضل  " . 
وفي رواية : " ولكن أخي وصاحبي " . 
ورواه  البخاري  عن  ابن الزبير  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه  [ ص: 427 ] وسلم - : " لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا * لاتخذته يعني  أبا بكر   . 
ورواه  مسلم  عن  ابن مسعود  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لو كنت متخذا خليلا * [61] لاتخذت  أبا بكر  خليلا ؛ ولكن أخي وصاحبي ، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا  " . 
وفي رواية : " لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت  ابن أبي قحافة  ؛ ولكن صاحبكم خليل الله  " . 
وفي أخرى : " ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله [62] ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت  أبا بكر  خليلا إن صاحبكم خليل الله  " [63]  . 
فهذه النصوص كلها مما تبين اختصاص  أبي بكر  من فضائل الصحبة ومناقبها والقيام [ بها ] وبحقوقها [64] بما لم يشركه فيه أحد حتى استوجب أن يكون خليله دون الخلق ، لو كانت المخالة ممكنة . 
وهذه النصوص صريحة بأنه أحب الخلق إليه وأفضلهم عنده كما صرح بذلك في حديث  عمرو بن العاص  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل ؛ قال : " فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال :  عائشة  قلت [65]  : فمن الرجال ؟ قال : " أبوها " قلت : ثم من ؟ قال  عمر   : وعد رجالا  " . وفي رواية  للبخاري   : " قال : فسكت مخافة أن يجعلني آخرهم " [66]  . 
				
						
						
