وأما قول الرافضي : " يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه " .
والجواب : أن هذا باطل من وجوه كثيرة لا يمكن استقصاؤها .
أحدها : أنه قد علم بدلالة القرآن موالاته له ومحبته لا عداوته ، فبطل هذا .
الثاني : أنه قد علم بالتواتر
nindex.php?page=treesubj&link=31141أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر كان محبا للنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ، من أعظم الخلق اختصاصا به ، أعظم مما تواتر
[ ص: 434 ] من شجاعة عنترة ، ومن سخاء حاتم ، ومن موالاة علي ومحبته له ، ونحو ذلك من التواترات المعنوية فيها الأخبار الكثيرة على مقصود واحد .
والشك في محبة أبي بكر كالشك في غيره وأشد ،
nindex.php?page=treesubj&link=28833ومن الرافضة من ينكر كون nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر مدفونين في الحجرة النبوية ، وبعض غلاتهم ينكر أن يكون هو صاحبه الذي كان معه في الغار . وليس هذا من بهتانهم ببعيد ، فإن القوم قوم بهت يجحدون المعلوم ثبوته
[1] بالاضطرار ، ويدعون ثبوت ما يعلم انتفاؤه بالاضطرار في العقليات والنقليات .
ولهذا قال من قال : لو قيل : من أجهل الناس ؟ لقيل :
الرافضة حتى فرضها بعض الفقهاء \ مسألة فقهية : فيما إذا أوصى
[2] لأجهل الناس ؛ قال : هم
الرافضة ، لكن هذه الوصية باطلة ؛ فإن الوصية باطلة ، فإن الوصية والوقف لا يكونان
[3] معصية ، بل على جهة لا تكون مذمومة في الشرع . والوقف والوصية لأجهل الناس فيه جعل
[4] الأجهلية والبدعية موجبة للاستحقاق ، فهو كما لو أوصى لأكفر الناس ، أو للكفار دون المسلمين بحيث يجعل الكفر شرطا في الاستحقاق ، فإن هذا لا يصح .
وكون
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر كان مواليا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من غيره ؛ أمر علمه المسلمون والكفار والأبرار والفجار حتى أني أعرف طائفة من الزنادقة كانوا يقولون : إن دين الإسلام اتفق عليه في الباطن النبي - صلى
[ ص: 435 ] الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر وثالثهما
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ؛ لكن لم يكن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر مطلعا على سرهما كله ، كما وقعت دعوة
الإسماعيلية الباطنية
والقرامطة ، فكان
[5] كل من كان أقرب إلى إمامهم [ كان ]
[6] أعلم بباطن الدعوة ، وأكتم لباطنها من غيره .
ولهذا جعلوهم مراتب : فالزنادقة المنافقون لعلمهم بأن
nindex.php?page=treesubj&link=31141_31137 nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر أعظم موالاة واختصاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من غيره ، جعلوه ممن يطلع على باطن أمره ويكتمه عن غيره ، ويعاونه على مقصوده بخلاف غيره .
فمن قال : إنه كان في الباطن عدوه
[7] ، كان من أعظم أهل الأرض فرية ، ثم إن قاتل هذا إذا قيل له مثل هذا في
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وقيل [ له ] له زيادة في ( م ) . : إنه كان في الباطن معاديا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنه كان عاجزا في ولاية الخلفاء الثلاثة عن إفساد ملته ؛ فلما ذهب أكابر الصحابة وبقي هو ؛ طلب حينئذ إفساد ملته وإهلاك أمته ، ولهذا قتل من المسلمين خلقا كثيرا ، وكان مراده إهلاك الباقين ؛ لكن عجز ؛ وإنه بسبب ذلك انتسب إليه الزنادقة المنافقون المبغضون للرسول
كالقرامطة والإسماعيلية والنصيرية ، فلا تجد عدوا للإسلام إلا وهو يستعين على ذلك بإظهار موالاة على استعانة لا تمكنه بإظهار موالاة
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر .
[ ص: 436 ] فالشبهة في دعوى موالاة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي للرسول أعظم من الشبهة في دعوى معاداة
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر وكلاهما باطل معلوم الفساد بالاضطرار ؛ لكن الحجج الدالة على بطلان هذه الدعوى في
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر أعظم من الحجج الدالة على بطلانها في حق
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ؛ فإذا كانت الحجة على موالاة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي صحيحة ، والحجة على معاداته باطلة ، فالحجة على موالاة
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر أولى بالصحة ، والحجة على معاداته أولى بالبطلان .
الوجه الثالث : أن قوله : " استصحبه حذرا من أن يظهر أمره " .
كلام من هو من أجهل الناس بما وقع ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29301أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في خروجه من مكة ظاهر عرفه أهل مكة ، وأرسلوا الطلب ، فإنه في الليلة التي خرج فيها عرفوا في صبيحتها أنه خرج ، وانتشر ذلك وأرسلوا إلى أهل الطرق يبذلون الدية فيه ، وفي
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر بذلوا الدية لمن يأتي
nindex.php?page=showalam&ids=1بأبي بكر ؛ فأي شيء كان يخاف ؟ وكون المشركين بذلوا الدية لمن يأتي
nindex.php?page=showalam&ids=1بأبي بكر دليل على أنهم كانوا يعلمون موالاته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه كان عدوهم في الباطن ولو كان معهم في الباطن لم يفعلوا ذلك .
الرابع : أنه إذا كان خرج ليلا ، كان وقت الخروج لم يعلم به أحد ، فما يصنع
nindex.php?page=showalam&ids=1بأبي بكر واستصحابه
[8] معه ؟ .
فإن قيل : فلعله علم خروجه دون غيره ؟ .
قيل : أولا : قد كان يمكنه أن يخرج في وقت لا يشعر به ، كما ن : لا يشعر به بخروجه كما ،
[9] خرج
[ ص: 437 ] في وقت لم يشعر به المشركون ، وكان يمكنه أن [ لا ] يعينه
[10] .
فكيف وقد ثبت في الصحيحين أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر استأذنه في الهجرة ، فلم يأذن له حتى هاجر معه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمه بالهجرة في خلوة
[11]
ففي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662337جاء nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر إلى nindex.php?page=showalam&ids=34أبي في منزله فاشترى منه رحلا ، فقال لعازب [12] : ابعث ابنك معي يحمله إلى منزلي فحملته وخرج nindex.php?page=showalam&ids=34أبي معه ينتقد ثمنه ؛ فقال nindex.php?page=showalam&ids=34أبي : يا nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر حدثني كيف صنعتما ليلة سريت [13] مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم سرينا ليلتنا كلها ، ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق ، فلا يمر بنا فيه أحد حتى رفعت [14] لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس بعد ، فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ينام فيه [ النبي ] النبي : [15] - صلى الله عليه وسلم - في ظلها ، ثم بسطت عليه فروة [16] ، ثم قلت : نم يا رسول الله ، وأنا أنفض لك ما حولك [17] ، فنام رسول الله [ ص: 438 ] - صلى الله عليه وسلم - في ظلها ، وخرجت أنفض ما حوله ، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة ، يريد منها الذي أردنا فلقيته ؛ فقلت : لمن [18] . أنت يا غلام ؟ فقال : لرجل من أهل المدينة - يريد مكة [19] - لرجل من قريش سماه فعرفته فقلت له : أفي غنمك لبن ؟ فقال : نعم ، قلت : أفتحلب لي ؟ قال : نعم فأخذ شاة ؛ فقلت [ له ] [20] انفض الضرع من الشعر والتراب والقذى ، فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن ، قال : ومعي إداوة [21] أرتوي فيها [22] لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - [23] منها ويتوضأ ، قال : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرهت أن أوقظه من نومه فوافيته قد استيقظ فصببت على اللبن الماء حتى برد أسفله ؛ فقلت : يا رسول الله اشرب من هذا اللبن ، فشرب حتى رضيت ، ثم قال : " ألم يأن للرحيل ؟ " قلت : بلى ، فارتحلنا بعد ما زالت [24] الشمس ، واتبعنا سراقة بن مالك ، قال : ونحن في جلد من الأرض [25] فقلت : [ ص: 439 ] يا رسول الله : أتينا [26] ، فقال : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لا تحزن إن الله معنا ، فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارتطمت فرسه إلى بطنها ، فقال : إني قد علمت أنكما دعوتما علي ، فادعوا الله لي ، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا إلا قال قد كفيتم ما هنا ، ولا يلقى أحدا إلا رده ، وقال [27] : خذ سهما من كنانتي فإنك تمر بإبلي وغلماني ، فخذ منها حاجتك فقال : " لا حاجة لي في إبلك " قال : فقدمنا المدينة ، فتنازعوا أيهم ينزل عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنزل على بني النجار أخوال عبد المطلب ؛ أكرمهم بذلك " ؛ فصعد الرجال والنساء فوق البيوت ، وتفرق الغلمان والخدم في الطرق [28] ينادون : يا محمد ، يا رسول الله ، يا محمد ، يا رسول الله [29] " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=650456عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار : بكرة وعشية ؛ فلما ابتلي المسلمون خرج nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر مهاجرا [ ص: 440 ] إلى الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد [30] لقيه ابن الدغنة [31] . وهو سيد القارة [32] فقال : أين تريد يا nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ؟ قال : أخرجني قومي ، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي ، قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق [33] ، وأنا لك جار ، فاعبد [34] ربك ببلدك [35] ، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر [36] ، فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ، ويحمل الكل ويقري الضيف ، [ ص: 441 ] ويعين على نوائب الحق ، فأنفذت [37] قريش جوار ابن الدغنة ، وآمنوا nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مر nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليصل وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا [38] بذلك ، ولا يستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا ، فقال ذلك ابن الدغنة nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر ، فطفق nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن [39] بالصلاة والقراءة في غير داره . ثم بدا nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر فابتنى بفناء داره مسجدا ، وبرز فكان يصلي فيه ، ويقرأ القرآن فتنقصف [40] عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، [ وهم ] يعجبون [ منه ] وينظرون إليه [41] ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر - رضي الله عنه - رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم ؛ فقالوا : إنا كنا [ قد ] [42] أجرنا [43] nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر على أن يعبد ربه في داره ، وإنه جاوز ذلك ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، وأعلن بالصلاة والقراءة ، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإلا فإن أبى [44] إلا أن يعلن ذلك ، فسله [ ص: 442 ] أن يرد إليك جوارك ؛ فإنا قد كرهنا أن نخفرك [45] ، ولسنا مقرين nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر الاستعلان . قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : فأتى ابن الدغنة nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ؛ فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه ؛ فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترد إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت [46] في رجل عقدت له ، قال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : إني أرد إليك جوارك ، وأرضى بجوار الله [47] ، ورسول الله يومئذ بمكة ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قد أريت [48] دار هجرتكم : ذات نخل ، بين لابتين - وهما الحرتان - [49] فهاجر من هاجر إلى المدينة ، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، وتجهز nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر قبل المدينة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " على رسلك [50] ، فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال " نعم " فحبس أبو بكر نفسه [51] على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصحبه ، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر - وهو [ ص: 443 ] الخبط [52] أربعة أشهر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب : قال nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة [53] : قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة [54] : فبينما نحن يوما جلوس في بيت nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر [55] : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعا [56] في ساعة لم يكن يأتينا فيها ؛ فقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : فداه أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر : " أخرج من عندك " فقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت [57] يا رسول الله قال : " فإني قد أذن لي في الخروج " قال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : الصحابة [58] يا رسول الله ، قال : نعم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بالثمن " قالت عائشة : [ ص: 444 ] فجهزناهما أحث [59] الجهاز ، وصنعنا [60] لهما سفرة في جراب [61] ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، فربطت به [62] على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين ، قالت : ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر ] [63] بغار في جبل ثور فمكثا [64] فيه ثلاث ليال ، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج [65] من عندهما بسحر ، فيصبح مع [66] قريش بمكة كبائت ، ولا يسمع أمرا يكادان به [67] إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر منحة ) [68] من غنم ، فيريحها [69] عليهما [ ص: 445 ] حين تذهب ساعة من الليل ، فيبيتان في رسل [70] ، وهو لبن منحتهما ورضيفهما [71] حتى ينعق بها [72] عامر بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث ، واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر ] [73] رجلا من بني الديل ، وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت : الماهر بالهداية [74] [75] [76] في آل العاص بن وائل السهمي ، وهو على دين كفار قريش ، فأمناه ، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه [77] غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ، فانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل وأخذ بهما طريق الساحل " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب : فأخبرني
عبد الرحمن بن مالك المدلجي ، وهو
ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع
سراقة بن جعشم يقول : " جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 446 ] nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره ، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي
بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس ، فقال : يا
سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة
[78] بالساحل : أراها
محمدا وأصحابه ، قال
سراقة : فعرفت أنهم هم ، فقلت [ له ]
[79] : إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقا بأعيننا
[80] ، ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها علي ، وأخذت رمحي ، ثم خرجت به من ظهر البيت ، فحططت بزجة الأرض وخفضت عاليه
[81] حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي
[82] حتى دنوت منهم ، فعثرت فرسي ، فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي ، فاستخرجت منها الأزلام ، فاستقسمت بها
[83] : أضرهم
[ ص: 447 ] أرده فآخذ المائة ناقة أم لا ؟ فخرج الذي أكره
[84] ، فركبت [ فرسي ]
[85] - وعصيت الأزلام - تقرب [ بي ] حتى [ إذا ] سمعت
[86] قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يلتفت ،
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر يكثر الالتفات ، ساخت
[87] يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها
[88] غبار
[89] ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره ، فناديتهم بالأمان فوقفوا ؛ فركبت فرسي حتى جئتهم ، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر
[90] رسول الله - صلى الله عليه وسلم
[91] " .
الوجه الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=30667أنه لما كان في الغار كان يأتيه بالأخبار عبد الله بن أبي بكر ، وكان معهما
عامر بن فهيرة كما تقدم ذلك ، فكان يمكنه أن
[ ص: 448 ] يعلمهم بخبره .
السادس : أنه إذا كان كذلك ، والعدو
[92] قد جاء إلى الغار ، ومشوا فوقه ، كان يمكنه حينئذ أن يخرج من الغار ، وينذر العدو به ، وهو وحده ليس معه أحد يحميه منه ومن العدو ؛ فمن يكون مبغضا لشخص طالبا لإهلاكه ينتهز الفرصة في مثل هذه الحال التي لا يظفر فيها عدو بعدوه إلا أخذه ؛ فإنه وحده في الغار والعدو قد صاروا
[93] عند الغار ، وليس لمن في الغار هناك من يدفع عنه ، وأولئك هم العدو الظاهرون الغالبون المتسلطون
بمكة ، ليس
بمكة من يخافونه إذا أخذوه ؛ فإن كان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر معهم مباطنا لهم كان الداعي إلى أخذه تاما ، والقدرة تامة ، وإذا اجتمع القدرة التامة والداعي التام وجب وجود الفعل ؛ فحيث لم يوجد دل على انتفاء الداعي ، أو انتفاء القدرة ، والقدرة موجودة ؛ فعلم انتفاء الداعي وأن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر لم يكن له غرض في أذاه ، كما يعلم ذلك جميع الناس إلا من أعمى الله قلبه .
ومن هؤلاء المفترين من يقول : إن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر كان يشير بإصبعه إلى العدو يدلهم
[94] على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلدغته حية
[95] فردها حتى كفت عنه الألم ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : إن نكثت نكث يدك ، وإنه نكث بعد ذلك ، فمات منها ، وهذا يظهر كذبه من وجوه نبهنا على بعضها .
[ ص: 449 ] ومنهم من قال : أظهر كعبه ليشعروا به ، فلدغته الحية ، وهذا من نمط الذي قبله .
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ : " يَجُوزُ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ مَعَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ حَذَرًا مِنْهُ " .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاؤُهَا .
أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ مُوَالَاتُهُ لَهُ وَمَحَبَّتُهُ لَا عَدَاوَتُهُ ، فَبَطَلَ هَذَا .
الثَّانِي : أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ
nindex.php?page=treesubj&link=31141أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُحِبًّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا بِهِ ، مِنْ أَعْظَمِ الْخَلْقِ اخْتِصَاصًا بِهِ ، أَعْظَمُ مِمَّا تَوَاتَرَ
[ ص: 434 ] مِنْ شَجَاعَةِ عَنْتَرَةَ ، وَمِنْ سَخَاءِ حَاتِمٍ ، وَمِنْ مُوَالَاةِ عَلِيٍّ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاتُرَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ فِيهَا الْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ عَلَى مَقْصُودٍ وَاحِدٍ .
وَالشَّكُّ فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ كَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَأَشَدَّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28833وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يُنْكِرُ كَوْنَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ مَدْفُونَيْنِ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ ، وَبَعْضُ غُلَاتِهِمْ يُنْكِرُ أَنَّ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَهُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي الْغَارِ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُهْتَانِهِمْ بِبَعِيدٍ ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَوْمُ بُهْتٍ يَجْحَدُونَ الْمَعْلُومَ ثُبُوتَهُ
[1] بِالِاضْطِرَارِ ، وَيَدَعُونَ ثُبُوتَ مَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ بِالِاضْطِرَارِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ .
وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ : لَوْ قِيلَ : مَنْ أَجْهَلُ النَّاسِ ؟ لَقِيلَ :
الرَّافِضَةُ حَتَّى فَرَضَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ \ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ : فِيمَا إِذَا أَوْصَى
[2] لِأَجْهَلِ النَّاسِ ؛ قَالَ : هُمُ
الرَّافِضَةُ ، لَكِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ ؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوَقْفَ لَا يَكُونَانِ
[3] مَعْصِيَةً ، بَلْ عَلَى جِهَةٍ لَا تَكُونُ مَذْمُومَةً فِي الشَّرْعِ . وَالْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ لِأَجْهَلِ النَّاسِ فِيهِ جَعْلُ
[4] الْأَجْهَلِيَّةِ وَالْبِدْعِيَّةِ مُوجِبَةً لِلِاسْتِحْقَاقِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَكْفَرِ النَّاسِ ، أَوْ لِلْكَفَّارِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يُجْعَلُ الْكُفْرُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ .
وَكَوْنُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ كَانَ مُوَالِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ ؛ أَمْرٌ عَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَالْأَبْرَارُ وَالْفُجَّارُ حَتَّى أَنِّي أَعْرِفُ طَائِفَةً مِنَ الزَّنَادِقَةِ كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ النَّبِيُّ - صَلَّى
[ ص: 435 ] اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ وَثَالِثُهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ ؛ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ مُطَّلِعًا عَلَى سِرِّهِمَا كُلِّهِ ، كَمَا وَقَعَتْ دَعْوَةُ
الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ
وَالْقَرَامِطَةِ ، فَكَانَ
[5] كُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى إِمَامِهِمْ [ كَانَ ]
[6] أَعْلَمَ بِبَاطِنِ الدَّعْوَةِ ، وَأَكْتَمَ لِبَاطِنِهَا مِنْ غَيْرِهِ .
وَلِهَذَا جَعَلُوهُمْ مَرَاتِبَ : فَالزَّنَادِقَةُ الْمُنَافِقُونَ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31141_31137 nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ أَعْظَمُ مُوَالَاةً وَاخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِهِ ، جَعَلُوهُ مِمَّنْ يَطَّلِعُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَيَكْتُمُهُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَيُعَاوِنُهُ عَلَى مَقْصُودِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ .
فَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ عَدُوَّهُ
[7] ، كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِرْيَةً ، ثُمَّ إِنَّ قَاتِلَ هَذَا إِذَا قِيلَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، وَقِيلَ [ لَهُ ] لَهُ زِيَادَةٌ فِي ( م ) . : إِنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُعَادِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَإِنَّهُ كَانَ عَاجِزًا فِي وِلَايَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْ إِفْسَادِ مِلَّتِهِ ؛ فَلَمَّا ذَهَبَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَبَقِيَ هُوَ ؛ طَلَبَ حِينَئِذٍ إِفْسَادَ مِلَّتِهِ وَإِهْلَاكَ أُمَّتِهِ ، وَلِهَذَا قَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلْقًا كَثِيرًا ، وَكَانَ مُرَادُهُ إِهْلَاكَ الْبَاقِينَ ؛ لَكِنْ عَجَزَ ؛ وَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ انْتَسَبَ إِلَيْهِ الزَّنَادِقَةُ الْمُنَافِقُونَ الْمُبْغِضُونَ لِلرَّسُولِ
كَالْقَرَامِطَةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ ، فَلَا تَجِدُ عَدُوًّا لِلْإِسْلَامِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِإِظْهَارِ مُوَالَاةٍ عَلَى اسْتِعَانَةٍ لَا تُمْكِنُهُ بِإِظْهَارِ مُوَالَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ .
[ ص: 436 ] فَالشُّبْهَةُ فِي دَعْوَى مُوَالَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ لِلرَّسُولِ أَعْظَمُ مِنَ الشُّبْهَةِ فِي دَعْوَى مُعَادَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ ؛ لَكِنَّ الْحُجَجَ الدَّالَّةَ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ أَعْظَمُ مِنَ الْحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى بُطْلَانِهَا فِي حَقِّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ؛ فَإِذَا كَانَتِ الْحُجَّةُ عَلَى مُوَالَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ صَحِيحَةً ، وَالْحُجَّةُ عَلَى مُعَادَاتِهِ بَاطِلَةً ، فَالْحُجَّةُ عَلَى مُوَالَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَى مُعَادَاتِهِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : " اسْتَصْحَبَهُ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرَهُ " .
كَلَامُ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَا وَقَعَ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29301أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ ظَاهِرٌ عَرَفَهُ أَهْلُ مَكَّةَ ، وَأَرْسَلُوا الطَّلَبَ ، فَإِنَّهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَرَفُوا فِي صَبِيحَتِهَا أَنَّهُ خَرَجَ ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِ الطُّرُقِ يَبْذُلُونَ الدِّيَةَ فِيهِ ، وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ بَذَلُوا الدِّيَةَ لِمَنْ يَأْتِي
nindex.php?page=showalam&ids=1بِأَبِي بَكْرٍ ؛ فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَخَافُ ؟ وَكَوْنُ الْمُشْرِكِينَ بَذَلُوا الدِّيَةَ لِمَنْ يَأْتِي
nindex.php?page=showalam&ids=1بِأَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مُوَالَاتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَنَّهُ كَانَ عَدُوَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْبَاطِنِ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ إِذَا كَانَ خَرَجَ لَيْلًا ، كَانَ وَقْتُ الْخُرُوجِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ ، فَمَا يَصْنَعُ
nindex.php?page=showalam&ids=1بِأَبِي بَكْرٍ وَاسْتِصْحَابِهِ
[8] مَعَهُ ؟ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلَعَلَّهُ عَلِمَ خُرُوجَهُ دُونَ غَيْرِهِ ؟ .
قِيلَ : أَوَّلًا : قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي وَقْتٍ لَا يُشْعَرُ بِهِ ، كَمَا ن : لَا يُشْعَرُ بِهِ بِخُرُوجِهِ كَمَا ،
[9] خَرَجَ
[ ص: 437 ] فِي وَقْتٍ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمُشْرِكُونَ ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ [ لَا ] يُعِينَهُ
[10] .
فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْهِجْرَةِ ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ حَتَّى هَاجَرَ مَعَهُ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَهُ بِالْهِجْرَةِ فِي خَلْوَةٍ
[11]
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662337جَاءَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ إِلَى nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيٍّ فِي مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا ، فَقَالَ لِعَازِبٍ [12] : ابْعَثِ ابْنَكَ مَعِي يَحْمِلُهُ إِلَى مَنْزِلِي فَحَمَلْتُهُ وَخَرَجَ nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيٌّ مَعَهُ يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ ؛ فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيٌّ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا لَيْلَةَ سَرَيْتَ [13] مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ : نَعَمْ سَرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا ، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ ، فَلَا يَمُرُّ بِنَا فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى رَفَعْتُ [14] لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدُ ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا فَأَتَيْتُ الصَّخْرَةَ فَسَوَّيْتُ بِيَدِي مَكَانًا يَنَامُ فِيهِ [ النَّبِيُّ ] النَّبِيُّ : [15] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّهَا ، ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً [16] ، ثُمَّ قُلْتُ : نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ [17] ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ [ ص: 438 ] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّهَا ، وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا فَلَقِيتُهُ ؛ فَقُلْتُ : لِمَنْ [18] . أَنْتَ يَا غُلَامُ ؟ فَقَالَ : لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - يُرِيدُ مَكَّةَ [19] - لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ : أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : أَفَتَحْلِبُ لِي ؟ قَالَ : نَعَمْ فَأَخَذَ شَاةً ؛ فَقُلْتُ [ لَهُ ] [20] انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ الشَّعْرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى ، فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ مَعَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ، قَالَ : وَمَعِي إِدَاوَةٌ [21] أَرْتَوِي فِيهَا [22] لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [23] مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ ، قَالَ : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ فَوَافَيْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ الْمَاءَ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ ؛ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ، ثُمَّ قَالَ : " أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ ؟ " قُلْتُ : بَلَى ، فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتْ [24] الشَّمْسُ ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ [25] فَقُلْتُ : [ ص: 439 ] يَا رَسُولَ اللَّهِ : أُتِينَا [26] ، فَقَالَ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا دَعَوْتُمَا عَلَيَّ ، فَادْعُوَا اللَّهَ لِي ، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا اللَّهَ فَنَجَا فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ قَدْ كُفِيتُمْ مَا هُنَا ، وَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ ، وَقَالَ [27] : خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي فَإِنَّكَ تَمُرُّ بِإِبِلِي وَغِلْمَانِي ، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ فَقَالَ : " لَا حَاجَةَ لِي فِي إِبِلِكَ " قَالَ : فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؛ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ " ؛ فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ ، وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ [28] يُنَادُونَ : يَا مُحَمَّدُ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَا مُحَمَّدُ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ [29] " .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=hadith&LINKID=650456عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ ، قَالَتْ : لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيِ النَّهَارِ : بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ؛ فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا [ ص: 440 ] إِلَى الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ [30] لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ [31] . وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ [32] فَقَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ يَا nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ : أَخْرَجَنِي قَوْمِي ، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي ، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ : إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ فَإِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ [33] ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ ، فَاعْبُدْ [34] رَبَّكَ بِبَلَدِكَ [35] ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ [36] ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيُقْرِي الضَّيْفَ ، [ ص: 441 ] وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ، فَأَنْفَذَتْ [37] قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ ، وَآمَنُوا nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ : مُرْ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ ، وَلَا يُؤْذِينَا [38] بِذَلِكَ ، وَلَا يَسْتَعْلِنَّ بِهِ ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا ، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ nindex.php?page=showalam&ids=1لِأَبِي بَكْرٍ ، فَطَفِقَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنَّ [39] بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ . ثُمَّ بَدَا nindex.php?page=showalam&ids=1لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى بِفِنَاءِ دَارِهِ مَسْجِدًا ، وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَتَنْقَصِفُ [40] عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ ، [ وَهُمْ ] يَعْجَبُونَ [ مِنْهُ ] وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ [41] ، وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ ؛ فَقَالُوا : إِنَّا كُنَّا [ قَدْ ] [42] أَجَرْنَا [43] nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ ، وَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا فَأْتِهِ ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ ، وَإِلَّا فَإِنْ أَبَى [44] إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ ، فَسَلْهُ [ ص: 442 ] أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ ؛ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ [45] ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ nindex.php?page=showalam&ids=1لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ . قَالَتْ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ : فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ ؛ فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ ؛ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي ، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ [46] فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ ، قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ : إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ [47] ، وَرَسُولُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " قَدْ أُرِيتُ [48] دَارَ هِجْرَتِكُمْ : ذَاتَ نَخْلٍ ، بَيْنَ لَابَتَيْنِ - وَهُمَا الْحُرَّتَانِ - [49] فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَتَجَهَّزَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " عَلَى رِسْلِكَ [50] ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ؟ قَالَ " نَعَمْ " فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ [51] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَصْحَبَهُ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ - وَهُوَ [ ص: 443 ] الْخَبَطُ [52] أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=12300ابْنُ شِهَابٍ : قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ [53] : قَالَتْ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ [54] : فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، قَالَ قَائِلٌ nindex.php?page=showalam&ids=1لِأَبِي بَكْرٍ [55] : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَقَنِّعًا [56] فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا ؛ فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ : فِدَاهُ أَبِي وَأُمِّي ، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ . قَالَتْ : فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=showalam&ids=1لِأَبِي بَكْرٍ : " أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ " فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ : إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ [57] يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ " قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ : الصَّحَابَةَ [58] يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ : فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " بِالثَّمَنِ " قَالَتْ عَائِشَةُ : [ ص: 444 ] فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ [59] الْجِهَازِ ، وَصَنَعْنَا [60] لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ [61] ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا ، فَرَبَطَتْ بِهِ [62] عَلَى فَمِ الْجِرَابِ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ ، قَالَتْ : ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ ] [63] بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَمَكَثَا [64] فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيَدَّلِجُ [65] مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ ، فَيُصْبِحُ مَعَ [66] قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ ، وَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكَادَانِ بِهِ [67] إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً ) [68] مِنْ غَنَمٍ ، فَيُرِيحُهَا [69] عَلَيْهِمَا [ ص: 445 ] حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ [70] ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا [71] حَتَّى يَنْعَقَ بِهَا [72] عَامِرٌ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ ] [73] رَجُلًا مَنْ بَنِي الدِّيلِ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ : الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ [74] [75] [76] فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كَفَّارِ قُرَيْشٍ ، فَأَمِنَاهُ ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ [77] غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ وَأَخَذَ بِهِمَا طَرِيقَ السَّاحِلِ " قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ ، وَهُوَ
ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ : " جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
[ ص: 446 ] nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي
بَنِي مُدْلِجٍ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ ، فَقَالَ : يَا
سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةَ
[78] بِالسَّاحِلِ : أَرَاهَا
مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ، قَالَ
سُرَاقَةُ : فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ ، فَقُلْتُ [ لَهُ ]
[79] : إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقَا بِأَعْيُنِنَا
[80] ، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ، ثُمَّ قُمْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسُهَا عَلَيَّ ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ ، فَحَطَطْتُ بِزُجَّةِ الْأَرْضِ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ
[81] حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا ، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي
[82] حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ ، فَعَثَرَتْ فَرَسِي ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي ، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا
[83] : أَضُرُّهُمْ
[ ص: 447 ] أَرُدُّهُ فَآخُذُ الْمِائَةَ نَاقَةٍ أَمْ لَا ؟ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ
[84] ، فَرَكِبْتُ [ فَرَسِي ]
[85] - وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ - تُقَرِّبُ [ بِي ] حَتَّى [ إِذَا ] سَمِعْتُ
[86] قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ ، سَاخَتْ
[87] يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لَأَثَرِ يَدَيْهَا
[88] غُبَارٌ
[89] سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا ؛ فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ
[90] رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[91] " .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30667أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْغَارِ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ مَعَهُمَا
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ ، فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ
[ ص: 448 ] يُعْلِمَهُمْ بِخَبَرِهِ .
السَّادِسُ : أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَالْعَدُوُّ
[92] قَدْ جَاءَ إِلَى الْغَارِ ، وَمَشَوْا فَوْقَهُ ، كَانَ يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْغَارِ ، وَيُنْذِرَ الْعَدُوَّ بِهِ ، وَهُوَ وَحْدُهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْمِيهِ مِنْهُ وَمِنَ الْعَدُوِّ ؛ فَمَنْ يَكُونُ مُبْغِضًا لِشَخْصٍ طَالِبًا لِإِهْلَاكِهِ يَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي لَا يَظْفَرُ فِيهَا عَدُوٌّ بِعَدُوِّهِ إِلَّا أَخَذَهُ ؛ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ فِي الْغَارِ وَالْعَدُوُّ قَدْ صَارُوا
[93] عِنْدَ الْغَارِ ، وَلَيْسَ لِمَنْ فِي الْغَارِ هُنَاكَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْعَدُوُّ الظَّاهِرُونَ الْغَالِبُونَ الْمُتَسَلِّطُونَ
بِمَكَّةَ ، لَيْسَ
بِمَكَّةَ مَنْ يَخَافُونَهُ إِذَا أَخَذُوهُ ؛ فَإِنْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ مَعَهُمْ مُبَاطِنًا لَهُمْ كَانَ الدَّاعِي إِلَى أَخْذِهِ تَامًّا ، وَالْقُدْرَةُ تَامَّةً ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَالدَّاعِي التَّامُّ وَجَبَ وُجُودُ الْفِعْلِ ؛ فَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّاعِي ، أَوِ انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ ، وَالْقُدْرَةُ مَوْجُودَةٌ ؛ فَعَلِمَ انْتِفَاءَ الدَّاعِي وَأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي أَذَاهُ ، كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلَّا مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى الْعَدُوِّ يَدُلُّهُمْ
[94] عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَدَغَتْهُ حَيَّةٌ
[95] فَرَدَّهَا حَتَّى كَفَّتْ عَنْهُ الْأَلَمَ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ : إِنْ نَكَثْتَ نَكَثَ يَدُكَ ، وَإِنَّهُ نَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَمَاتَ مِنْهَا ، وَهَذَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ مِنْ وُجُوهٍ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهَا .
[ ص: 449 ] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَظْهَرَ كَعْبَهُ لِيَشْعُرُوا بِهِ ، فَلَدْغَتْهُ الْحَيَّةُ ، وَهَذَا مِنْ نَمَطِ الَّذِي قَبْلَهُ .