قال أبو محمد بن حزم [1] : " رضي الله عنه فإنه قبل أن ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أبي بكر وأما حزن [2] كان غاية الرضا لله فإنه [3] كان إشفاقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك [4] كان الله معه والله لا يكون قط مع العصاة [5] بل عليهم ، وما حزن قط بعد أن [ ص: 467 ] نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن ، ولو كان لهؤلاء الأرذال أبو بكر [6] حياء ، أو علم لم يأتوا بمثل هذا ، إذ لو كان حزن عيبا عليه لكان ذلك على أبي بكر محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام عيبا [7] ، لأن الله تعالى قال لموسى : ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ) [ سورة القصص : 35 ] ، ثم قال عن السحرة لما قالوا [8] : ( إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ) إلى قوله : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ) [ سورة طه : 67 ، 68 ] [9] ، فهذا موسى رسول الله وكليمه كان قد [10] أخبره الله عز وجل بأن فرعون وملأه لا يصلون إليهما ، وأنه هو الغالب [11] ، ثم أوجس [12] في نفسه خيفة بعد ذلك فإيجاس [13] موسى لم يكن [14] إلا لنسيانه الوعد المتقدم ، وحزن كان قبل أبي بكر [15] أن ينهى عنه ، وأما [ ص: 468 ] محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الله قال [16] : ( ومن كفر فلا يحزنك كفره ) [ سورة لقمان : 23 ] وقال تعالى : ( ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ) [ سورة النحل : 127 ] ، وقال : ( فلا يحزنك قولهم ) [ سورة يس : 76 ] [17] ، ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) [ سورة فاطر : 8 ] ، ووجدناه [18] تعالى قد قال : ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ) [ سورة الأنعام : 33 ] فقد أخبرنا أنه يعلم [19] أن رسوله [20] يحزنه الذي يقولون ونهاه عن ذلك ، فيلزمهم [21] في حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذي أوردوا [22] في حزن سواء أبي بكر [23] ونعم [24] كما كان إن حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كانوا يقولون من الكفر كان طاعة لله قبل أن ينهاه الله [25] حزن أبي بكر طاعة لله قبل أن ينهاه عنه ، وما حزن أبو بكر [ ص: 469 ] بعد [26] ما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن ، فكيف وقد يمكن [27] أن أبا بكر لم يكن حزن [28] يومئذ ؟ ، لكن نهاه صلى الله عليه وسلم عن [29] أن يكون منه حزن ، كما قال تعالى [30] : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) [ سورة الإنسان : 24 ] .