الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  قال أبو محمد بن حزم [1] : " وأما حزن أبي بكر رضي الله عنه فإنه قبل أن ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه  [2] كان غاية الرضا لله فإنه [3] كان إشفاقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك [4] كان الله معه والله لا يكون قط مع العصاة [5] بل عليهم ، وما حزن أبو بكر قط بعد أن [ ص: 467 ] نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن ، ولو كان لهؤلاء الأرذال [6] حياء ، أو علم لم يأتوا بمثل هذا ، إذ لو كان حزن أبي بكر عيبا عليه لكان ذلك على محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام عيبا [7] ، لأن الله تعالى قال لموسى : ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ) [ سورة القصص : 35 ] ، ثم قال عن السحرة لما قالوا [8] : ( إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ) إلى قوله : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ) [ سورة طه : 67 ، 68 ] [9] ، فهذا موسى رسول الله وكليمه كان قد [10] أخبره الله عز وجل بأن فرعون وملأه لا يصلون إليهما ، وأنه هو الغالب [11] ، ثم أوجس [12] في نفسه خيفة بعد ذلك فإيجاس [13] موسى لم يكن [14] إلا لنسيانه الوعد المتقدم ، وحزن أبي بكر كان قبل [15] أن ينهى عنه ، وأما [ ص: 468 ] محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الله قال [16] : ( ومن كفر فلا يحزنك كفره ) [ سورة لقمان : 23 ] وقال تعالى : ( ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ) [ سورة النحل : 127 ] ، وقال : ( فلا يحزنك قولهم ) [ سورة يس : 76 ] [17] ، ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) [ سورة فاطر : 8 ] ، ووجدناه [18] تعالى قد قال : ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ) [ سورة الأنعام : 33 ] فقد أخبرنا أنه يعلم [19] أن رسوله [20] يحزنه الذي يقولون ونهاه عن ذلك ، فيلزمهم [21] في حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذي أوردوا [22] في حزن أبي بكر سواء [23] ونعم [24] إن حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كانوا يقولون من الكفر كان طاعة لله قبل أن ينهاه الله  كما كان [25] حزن أبي بكر طاعة لله قبل أن ينهاه عنه ، وما حزن أبو بكر [ ص: 469 ] بعد [26] ما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن ، فكيف وقد يمكن [27] أن أبا بكر لم يكن حزن [28] يومئذ ؟ ، لكن نهاه صلى الله عليه وسلم عن [29] أن يكون منه حزن ، كما قال تعالى [30] : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) [ سورة الإنسان : 24 ] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية