الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1394 - عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، يكنى أبا عبد الله . وقيل : بل يكنى أبا محمد بابنه محمد الذي يقال له أبو عتيق ، والد عبد الله بن أبي عتيق . وأدرك أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة هو وأبوه وجده وأبو جده رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولد أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم . وأم عبد الرحمن أم رومان بنت الحارث بن غنم الكنانية ، فهو شقيق عائشة . وشهد عبد الرحمن بن أبي بكر بدرا وأحدا مع قومه كافرا ، ودعا إلى البراز ، فقام إليه أبوه ليبارزه فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : متعنا بنفسك ، ثم أسلم وحسن إسلامه ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية . هذا قول أهل السيرة . قالوا : كان اسمه عبد الكعبة فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عبد الرحمن .

                                                              وذكر الزبير ، عن سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان أن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فئة من قريش هاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح - قال : وأحسبه قال : إن معاوية كان منهم - وكان [ ص: 825 ] عبد الرحمن بن أبي بكر من أشجع رجال قريش ، وأرماهم بسهم ، وحضر اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل سبعة من كبارهم ، شهد له بذلك جماعة عند خالد بن الوليد ، وهو الذي قتل محكم اليمامة ابن طفيل ، رماه بسهم في نحره فقتله فيما ذكر جماعة من أهل السير : ابن إسحاق وغيره . وكان محكم اليمامة قد سد ثلمة من الحصن فدخل المسلمون من تلك الثلمة ، وكان عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر .

                                                              قال الزبير : وكان امرأ صالحا . وكانت فيه دعابة .

                                                              قال الزبير : حدثني عبد الله بن نافع الصائغ ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي ، حين فتح دمشق ، وكان قد رآها قبل ذلك ، فكان يشبب بها ، وله فيها أشعار ، وخبره معها مشهور عند أهل الأخبار .

                                                              قال أبو عمر رحمه الله : وشهد الجمل مع أخته عائشة ، وكان أخوه محمد يومئذ مع علي رضي الله عنه .

                                                              قال الزبير : وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري . قال : قعد معاوية على المنبر يدعو إلى بيعة يزيد ، فكلمه الحسين بن علي ، وابن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، فكان كلام ابن أبي بكر : أهرقلية ، إذا مات كسرى كان كسرى مكانه ؟ لا نفعل والله أبدا . وبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد ، فردها عليه عبد الرحمن ، وأبى أن يأخذها وقال [ ص: 826 ] .

                                                              أبيع ديني بدنياي ، فخرج إلى مكة فمات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد بن معاوية .
                                                               

                                                              قال أبو عمر رضي الله عنه : يقولون : إن عبد الرحمن بن أبي بكر مات فجاءة بموضع يقال له الحبشي على نحو عشرة أميال من مكة ، وحمل إلى مكة فدفن بها ، ويقال : إنه توفي في نومة نامها . ولما اتصل خبر موته بأخته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ظعنت من المدينة حاجة حتى وقفت على قبره - وكانت شقيقته - فبكت عليه وتمثلت :


                                                              وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا     فلما تفرقنا كأني ومالكا
                                                              لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

                                                              أما والله لو حضرتك لدفنتك حيث مت مكانك ، ولو حضرت ما بكيتك . ويقال : إنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم أربعة ولا أب وبنوه إلا أبو قحافة ، وابنه أبو بكر ، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ، وابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن والله أعلم .

                                                              وكانت وفاة عبد الرحمن بن أبي بكر سنة ثلاث وخمسين . وقيل سنة خمس وخمسين بمكة ،  والأول أكثر .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية