الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1508 - عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، يكنى أبا حذافة، كناه الزهري، أسلم قديما، وكان من المهاجرين الأولين، [ ص: 889 ] هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية مع أخيه قيس بن حذافة في قول ابن إسحاق والواقدي، ولم يذكره موسى، وأبو معشر. وهو أخو أبي الأخنس بن حذافة، وخنيس بن حذافة الذي كان زوج حفصة قبل النبي صلى الله عليه وسلم. يقال:

                                                              إنه شهد بدرا، ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين. روى محمد بن عمرو بن علقمة عن عمرو بن الحكم بن ثوبان، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي من أصحاب بدر، وكانت فيه دعابة.

                                                              قال أبو عمر: كان عبد الله بن حذافة رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعوه إلى الإسلام، فمزق كسرى الكتاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مزق ملكه. وقال: إذا مات كسرى فلا كسرى بعده. قال الواقدي: فسلط الله على كسرى ابنه شيرويه فقتله ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى سنة سبع.

                                                              وعبد الله بن حذافة هذا هو القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: سلوني عما شئتم: من أبي؟ فقال: أبوك حذافة بن قيس. فقالت له أمه: ما سمعت بابن أعق منك، أمنت أن تكون أمك قارفت ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس! فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به. وكانت في عبد الله بن حذافة دعابة معروفة.

                                                              ذكر الزبير قال: حدثنا عبد الجبار بن سعد، عن عبد الله بن وهب، عن الليث، عن سعد، قال: بلغني أنه حل حزام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع. قال ابن وهب [ ص: 890 ] .

                                                              فقلت لليث: ليضحكه؟ قال: نعم، كانت فيه دعابة، قال الليث: وكان قد أسره الروم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرادوه على الكفر، فعصمه الله حتى أنجاه منهم.

                                                              ومات في خلافة عثمان. قال الزبير: هكذا قال ابن وهب، عن الليث:

                                                              حل حزام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لابن وهب علم بلسان العرب، وإنما تقول العرب لحزام الراحلة غرضة إذا ركب بها على رحل، فإن ركب بها على جمل فهي بطان، وإن ركب بها على فرس فهي حزام، وإن ركب بها على رحل أنثى فهو وضين.

                                                              قال أبو عمر: شاهد ذلك ما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سار في بعض حجاته، فلما أتى وادي محسر ضرب فيه راحلته حتى قطعته وهو يرتجز :


                                                              إليك تعدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها     معترضا في بطنها جنينها
                                                              قد ذهب الشحم الذي يزينها

                                                              ومن دعابة عبد الله بن حذافة أن رسول الله صلى الله عليه أمره على سرية، فأمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا، فلما أوقدوها أمرهم بالقحم فيها، فأبوا، فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعتي؟ وقال: من أطاع أميري فقد أطاعني؟ فقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار.

                                                              فصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم وقال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.  قال الله تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم
                                                              4: 29 وهو حديث صحيح الإسناد مشهور [ ص: 891 ] .

                                                              قال خليفة بن خياط: وفي سنة تسع عشرة أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي. وقال ابن لهيعة: توفي عبد الله بن حذافة السهمي بمصر، ودفن في مقبرتها.

                                                              روى عنه من المدنيين مسعود بن الحكم، وأبو سلمة، وسليمان بن سنان.

                                                              وروى عنه من الكوفيين أبو وائل. ومن حديثه ما رواه الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن عبد الله بن حذافة صلى، فجهر بصلاته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناج ربك بقراءتك يا بن حذافة، ولا تسمعني، وأسمع ربك.  

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية