الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1530 - عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا محمد، أحد النقباء، شهد العقبة، وبدرا، وأحدا، والخندق، والحديبية، وعمرة القضاء، والمشاهد كلها إلا الفتح وما بعده، لأنه قتل يوم مؤتة شهيدا. وهو أحد الأمراء في غزوة مؤتة، وأحد الشعراء المحسنين الذين كانوا يردون الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                              وفيه وفي صاحبيه: حسان، وكعب بن مالك نزلت : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا ... 26: 227 الآية وكانت غزوة مؤتة التي استشهد فيها عبد الله بن رواحة في جمادى من سنة ثمان بأرض الشام.

                                                              روى عنه من الصحابة ابن عباس، وأبو هريرة رضي الله عنهم، ذكر ابن وهب، عن يحيى بن سعيد، قال: كان عبد الله بن رواحة أول خارج إلى الغزو وآخر قافل.

                                                              وذكر ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: لما تودع عبد الله بن رواحة في حين خروجه إلى مؤتة دعا له المسلمون ولمن معه أن يردهم الله سالمين، فقال ابن رواحة :


                                                              لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا     أو طعنة بيدي حران مجهزة
                                                              بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا     حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
                                                              يا أرشد الله من فاز وقد رشدا

                                                              [ ص: 899 ] وذكر عبد الرزاق، عن ابن عيينة، قال: وقال ابن رواحة يوم مؤتة يخاطب نفسه :


                                                              أقسمت بالله لتنزلنه     طائعة أو لتكرهنه
                                                              فطالما قد كنت مطمئنه     جعفر ما أطيب ريح الجنه

                                                              وروى هشام، عن قتادة، قال: جعلوا يودعون عبد الله بن رواحة حين توجه إلى مؤتة، ويقولون: ردك الله سالما، فجعل يقول: لكنني أسأل الرحمن مغفرة. وذكر الأبيات الثلاثة، فلما كان عند القتال قال:


                                                              أقسمت بالله لتنزلنه     طائعة أو لتكرهنه
                                                              ما لي أراك تكرهين الجنه     وقبل ذا ما كنت مطمئنه

                                                              وفي رواية ابن هشام زيادة:


                                                              إن أجلب الناس وشدوا الرنه     هل أنت إلا نطفة في شنه

                                                              قال: وقال أيضا :


                                                              يا نفس إن لم تقتلي تموتي     هذا حمام الموت قد صليت
                                                              وما تمنيت فقد أعطيت     إن تفعلي فعلهما هديت

                                                              يعني صاحبيه زيدا وجعفرا، ثم قاتل حينا ثم نزل، فأتاه ابن عم له بعرق من لحم، قال: شد بهذا ظهرك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه [ ص: 900 ] ما لقيت. فأخذه من يده فانتهس منه نهسة، ثم سمع الحطمة في الناس، فقال:

                                                              وأنت في الدنيا! فألقاه من يده، ثم أخذ بسيفه، فتقدم فقاتل حتى قتل رحمة الله تعالى عليه.

                                                              وروى هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سمعت أبي يقول: ما سمعت أحدا أجرأ ولا أسرع شعرا من عبد الله بن رواحة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يوما: قل شعرا تقتضيه الساعة، وأنا أنظر إليك، فانبعث مكانه يقول:


                                                              إني تفرست فيك الخير أعرفه     والله يعلم أن ما خانني البصر
                                                              أنت النبي ومن يحرم شفاعته     يوم الحساب لقد أزرى به القدر
                                                              فثبت الله ما آتاك من حسن     تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنت فثبتك الله يا بن رواحة.
                                                              قال هشام بن عروة: فثبته الله عز وجل أحسن الثبات، فقتل شهيدا، وفتحت له الجنة فدخلها. وفي رواية ابن هشام:


                                                              إني تفرست فيك الخير نافلة     فراسة خالفت فيك الذي نظروا
                                                              أنت النبي ومن يحرم نوافله     والوجه منك فقد أزرى به القدر

                                                              وقصته مع زوجته في حين وقع على أمته مشهورة، رويناها من وجوه صحاح، وذلك أنه مشى ليلة إلى أمة له فنالها، وفطنت له امرأته فلامته، فجحدها.

                                                              وكانت قد رأت جماعه لها، فقالت له: إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فالجنب لا يقرأ القرآن، فقال [ ص: 901 ] .


                                                              شهدت بأن وعد الله حق     وأن النار مثوى الكافرينا
                                                              وأن العرش فوق الماء حق     وفوق العرش رب العالمينا
                                                              وتحمله ملائكة غلاظ     ملائكة الإله مسومينا

                                                              فقالت امرأته: صدق الله، وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه.

                                                              وروينا من وجوه من حديث أبي الدرداء، قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد حتى إن الرجل ليضع من شدة الحر يده على رأسه، وما في القوم صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة.  

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية