الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1533 - عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي الشاعر.

                                                              أمه عاتكة بنت عبد الله بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جمح، كان من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه بلسانه ونفسه، وكان من أشعر الناس وأبلغهم. يقولون: إنه أشعر قريش قاطبة [ ص: 902 ] .

                                                              قال محمد بن سلام: كان بمكة شعراء، فأبدعهم شعرا عبد الله بن الزبعرى.

                                                              قال الزبير: كذلك يقول رواة قريش، إنه كان أشعرهم في الجاهلية، وأما ما سقط إلينا من شعره، وشعر ضرار بن الخطاب ، فضرار عندي أشعر منه وأقل سقطا.

                                                              قال أبو عمر رحمه الله: كان يهاجي حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ثم أسلم عبد الله الزبعرى عام الفتح بعد أن هرب يوم الفتح إلى نجران، فرماه حسان بن ثابت ببيت واحد، فما زاده عليه :


                                                              لا تعدمن رجلا أحلك بغضه نجران في عيش أجد أثيم

                                                              فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه، واعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل عذره، ثم شهد ما بعد الفتح من المشاهد.

                                                              ومن قوله بعد إسلامه للنبي عليه السلام معتذرا :


                                                              يا رسول المليك، إن لساني     راتق ما فتقت إذ أنا بور
                                                              إذ أجاري الشيطان في سنن الغي     أنا في ذاك خاسر مثبور
                                                              يشهد السمع والفؤاد بما قلت     ونفسي الشهيد وهي الخبير
                                                              إن ما جئتنا به حق صدق     ساطع نوره مضيء منير

                                                              [ ص: 903 ]

                                                              جئتنا باليقين والصدق والبر     وفي الصدق واليقين السرور
                                                              أذهب الله ضلة الجهل عنا     وأتانا الرخاء والميسور

                                                              في أبيات له.

                                                              والبور: الضال الهالك، وهو لفظ للواحد والجمع.

                                                              وقال أيضا:


                                                              سرت الهموم بمنزل السهم     إذ كن بين الجلد والعظم
                                                              ندما على ما كان من زلل     إذ كنت في فتن من الإثم
                                                              حيران يعمه في ضلالته     مستوردا لشرائع الظلم
                                                              عمه يزينه بنو جمح     وتوازرت فيه بنو سهم
                                                              فاليوم آمن بعد قسوته     عظمي، وآمن بعده لحمي
                                                              لمحمد ولما يجيء به     من سنة البرهان والحكم

                                                              في قصيدة له يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم، وله في مدحه أشعار كثيرة ينسخ بها ما قد مضى من شعره في كفره، منها قوله :


                                                              منع الرقاد بلابل وهموم     والليل معتلج الرواق بهيم
                                                              مما أتاني أن أحمد لامني     فيه، فبت كأنني محموم
                                                              يا خير من حملت على أوصالها     عيرانة سرح اليدين غشوم
                                                              إني لمعتذر إليك من التي     أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
                                                              أيام تأمرني بأغوى خطة     سهم، وتأمرني بها مخزوم
                                                              وأمد أسباب الهوى ويقودني     أمر الغواة وأمرهم مشئوم

                                                              [ ص: 904 ]

                                                              فاليوم آمن بالنبي محمد     قلبي ومخطئ هذه محروم
                                                              مضت العداوة وانقضت أسبابها     وأتت أواصر بيننا وحلوم
                                                              فاغفر فدى لك والدي كلاهما     وارحم فإنك راحم مرحوم
                                                              وعليك من سمة المليك علامة     نور أغر وخاتم مختوم
                                                              أعطاك بعد محبة برهانه     شرفا وبرهان الإله عظيم



                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية