الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1553 - عبد الله بن سعد بن أبي السرح بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري، يكنى أبا يحيى، كذا قال ابن الكلبي في نسبه حبيب بن جذيمة بالتخفيف . وقال محمد بن حبيب:

                                                              حبيب بالتشديد، وكذا قال أبو عبيدة.

                                                              أسلم قبل الفتح، وهاجر، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد مشركا، وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرف محمدا حيث أريد، كان يملي علي: (عزيز حكيم) ، 2: 209 فأقول: أو عليم حكيم؟ فيقول: نعم، كل صواب. فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، وقتل عبد الله بن خطل، ومقيس بن حبابة، ولو وجدوا تحت أستار الكعبة، ففر عبد الله بن سعد بن أبي السرح إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة، أرضعت أمه عثمان، فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما اطمأن أهل مكة، فاستأمنه له، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا، ثم قال:

                                                              نعم. فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. وقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين.
                                                               
                                                              وأسلم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أيام الفتح، فحسن إسلامه، فلم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك، وهو أحد النجباء العقلاء الكرماء من قريش، ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر في سنة خمس وعشرين، وفتح على يديه إفريقية [ ص: 919 ] سنة سبع وعشرين، وكان فارس بني عامر بن لؤي المعدود فيهم، وكان صاحب ميمنة عمرو بن العاص في افتتاحه وفي حروبه هناك كلها. وولي حرب مصر لعثمان أيضا، فلما ولاه عثمان، وعزل عنها عمرو بن العاص جعل عمرو بن العاص يطعن على عثمان أيضا، ويؤلب عليه، ويسعى في إفساد أمره، فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلا بفلسطين قال: إني إذا نكأت قرحة أدميتها، أو نحو هذا.

                                                              حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا الدولابي، حدثنا أبو بكر الوجيهي ، عن أبيه، عن صالح بن الوجيه، قال: في سنة خمس وعشرين انتقضت الإسكندرية، فافتتحها عمرو بن العاص، وقتل المقاتلة، وسبى الذرية، فأمر عثمان برد السبي الذين سبوا من القرى إلى مواضعهم للعهد الذي كان لهم، ولم يصح عنده نقضهم، وعزل عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان ذلك بدء الشر بين عثمان وعمرو بن العاص.

                                                              وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فافتتح إفريقية من مصر سنة سبع وعشرين، وغزا منها الأساود من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين، وهو [الذي] هادنهم الهدنة الباقية إلى اليوم، وغزا الصواري [في البحر] من أرض الروم سنة أربع وثلاثين، ثم قدم على عثمان. واستخلف على مصر السائب بن هشام بن عمرو العامري، فانتزى عليه محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، فخلع السائب، وتأمر على مصر، ورجع عبد الله بن سعد من وفادته، فمنعه ابن أبي حذيفة من دخول الفسطاط فمضى إلى عسقلان، فأقام بها حتى قتل [ ص: 920 ] عثمان رضي الله عنه، وقيل: بل أقام بالرملة حتى مات، فارا من الفتنة، ودعا ربه فقال: اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح، فتوضأ ثم صلى الصبح، فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلم عن يمينه، وذهب يسلم عن يساره، فقبض الله روحه، ذكر ذلك كله يزيد بن أبي حبيب وغيره، ولم يبايع لعلي ولا لمعاوية، وكانت وفاته قبل اجتماع الناس على معاوية، وقيل: إنه توفي بإفريقية، والصحيح أنه توفي بعسقلان سنة ست أو سبع وثلاثين.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية