الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1983 - عمير بن سعيد بن عبيد بن النعمان الأنصاري، من بني عمرو بن عوف ، كان يقال له نسيج وحده، غلب ذلك عليه وعرف به، وهو الذي قال للجلاس، وكان على أمه إذ قال الجلاس: إن كان ما يقول محمد حقا فلنحن شر من الحمير. فقال عمير: فاشهد أنه صادق، وأنك شر من الحمار. فقال له الجلاس: اكتمها علي يا بني. فقال: لا والله، ونمى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكتمها، وكان لعمير كالأب ينفق عليه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجلاس فعرفه بما قال عمير، فحلف الجلاس أنه ما قال. قال: فنزلت: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر . . . إلى قوله: فإن يتوبوا يك خيرا لهم فقال الجلاس: أتوب إلى الله. وكان قد آلى ألا ينفق على عمير، فراجع النفقة عليه توبة منه. قال عروة بن الزبير: فما زال عمير في علياء بعد. هكذا ذكره ابن إسحاق وغيره هذا الخبر.

                                                              وذكر عبد الرزاق هذا الخبر، فقال: أنبأنا ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت أم عمير بن سعد عند الجلاس بن سويد، فقال الجلاس في غزوة تبوك: إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير، فسمعها عمير فقال: والله، إني لأخشى إن لم أرفعها إلى النبي، صلى [ ص: 1216 ] الله عليه وسلم أن ينزل القرآن، وأن أخلط بخطيئة، ولنعم الأب هو لي.

                                                              فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجلاس. فعرفه وهم يترحلون، فتحالفا، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا، فلم يتحرك أحد، وكذلك كانوا يفعلون لا يتحركون إذا نزل الوحي، فرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يحلفون بالله ما قالوا . . .

                                                              إلى: فإن يتوبوا يك خيرا لهم . فقال الجلاس: استتب لي ربي، فإني أتوب إلى الله، وأشهد لقد صدق. وأما قوله تعالى : وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله . فقال عروة: كان مولى للجلاس قتل في بني عمرو بن عوف، فأبى بنو عمرو بن عوف أن يعقلوه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل عقله على بني عمرو بن عوف. قال عروة:

                                                              فما زال عمير فيها بعلياء حتى مات.
                                                              قال ابن جريج: وأخبرت عن ابن سيرين قال: فما سمع عمير من الجلاس شيئا يكرهه بعدها.

                                                              قال عبد الرزاق: وأخبرنا هشام بن حسان، عن ابن سيرين، قال: لما نزل القرآن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير، فقال: وفت أذنك يا غلام، وصدقك ربك وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ولى عمير بن سعد هذا على حمص قبل سعيد بن عامر بن خذيم أو بعده.

                                                              وزعم أهل الكوفة أن أبا زيد الذي جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه سعد، وأنه والد عمير هذا. وخالفهم غيرهم في ذلك فقالوا: اسم أبي زيد الذي جمع القرآن قيس بن السكن [ ص: 1217 ] .

                                                              سكن عمير بن سعد هذا الشام، ومات بها، روى عنه راشد بن سعد، وحبيب بن عبيد، وجماعة.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية