الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1240 - قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن الحارث، والحارث هو مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم المنقري التميمي. يكنى أبا علي وقيل: يكنى أبا طلحة. وقيل: أبو قبيصة . [ ص: 1295 ] .

                                                              والمشهور أبو علي: قدم في وفد بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في سنة تسع، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا سيد أهل الوبر.  وكان رضي الله عنه عاقلا حليما مشهورا بالحلم. قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه إذ أتي برجل مكتوف، وآخر مقتول، فقيل له. هذا ابن أخيك قتل ابنك. قال: فوالله ما حل حبوته، ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه، فقال: يا ابن أخي، بئس ما فعلت! أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، ثم قال لابن له آخر: قم يا بني فوار أخاك، وحل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها، فإنها غريبة.

                                                              وكان قيس بن عاصم قد حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسب أبويها، ورأى القمر فتكلم، وأعطى الخمار كثيرا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك، فحرمها على نفسه، وقال فيها أشعارا منها قوله:


                                                              رأيت الخمر صالحة وفيها خصال تفسد الرجل الحليما     فلا والله أشربها صحيحا
                                                              ولا أشفي بها أبدا سقيما     ولا أعطي بها ثمنا حياتي
                                                              ولا أدعو لها أبدا نديما     فإن الخمر تفضح شاربيها
                                                              وتجنيهم بها الأمر العظيما



                                                              ومن جيد قوله:


                                                              إني امرؤ لا يعتري خلقي     دنس يفنده ولا أفن
                                                              من منقر في بيت مكرمة     والغصن ينبت حوله الغصن
                                                              [ ص: 1296 ] خطباء حين يقول قائلهم     بيض الوجوه أعفة لسن
                                                              لا يفطنون بغيب جارهم     وهم لحسن حواره فطن

                                                              وقال الحسن: لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه، فقال: يا بني، احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني، إذا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم، فيسفه الناس كباركم، وتهونون عليهم. وعليكم بإصلاح المال، فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل.

                                                              روى عنه الحسن، والأحنف، وخليفة بن حصين، وابنه حكيم بن قيس.

                                                              وروى النضر بن شميل، عن شعبة، عن قتادة، عن مطرف بن الشخير، عن حكيم بن قيس بن عاصم، عن أبيه، أنه أوصى عند موته فقال: إذ أنا مت فلا تنوحوا علي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه.  

                                                              قال النضر بن شميل: قال عبدة بن الطبيب :


                                                              عليك سلام الله قيس بن عاصم     ورحمته ما شاء أن يترحما
                                                              تحية من أوليته منك نعمة     إذا زار عن شحط بلادك سلما
                                                              فما كان قيس هلكه هلك واحد     ولكنه بنيان قوم تهدما



                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية