الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2483 - المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب ابن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس، وهو ثقيف الثقفي، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا عيسى. وأمه امرأة من بني نصر بن معاوية. أسلم عام الخندق، وقدم مهاجرا. وقيل: إن أول مشاهده الحديبية . روى زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال لابنه عبد الرحمن - وكان اكتنى أبا عيسى: إني أبو عيسى. فقال: قد اكتنى بها المغيرة بن شعبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر للمغيرة: أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك. وكان المغيرة رجلا طوالا ذا هيبة أعور أصيبت عينه يوم اليرموك [ ص: 1446 ] .

                                                              وتوفي سنة خمسين من الهجرة بالكوفة ووقف على قبره مصقلة بن هبيرة الشيباني فقال.


                                                              إن تحت الأحجار حزما وجودا وخصيما ألد ذا معلاق     حية في الوجار أربد لا ينفع
                                                              منه السليم نفت الراقي

                                                              ثم قال: أما والله لقد كنت شديد العداوة لمن عاديت، شديد الأخوة لمن آخيت.

                                                              روى مجالد، عن الشعبي، قال: دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد.

                                                              فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير وحكى الرياشي، عن الأصمعي، قال: كان معاوية يقول:

                                                              أنا للإناءة، وعمرو للبديهة، وزياد للصغير والكبير، والمغيرة للأمر العظيم. قال أبو عمر. يقولون: إن قيس بن سعد بن عبادة لم يكن في الدهاء بدون هؤلاء، مع كرم كان فيه وفضل.

                                                              حدثنا سعيد بن مسور، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن علي، حدثنا محمد بن قاسم، حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا سحنون، عن ابن نافع، قال: أحصن المغيرة ابن شعبة ثلاثمائة امرأة في الإسلام. قال ابن وضاح: غير ابن نافع يقول: ألف امرأة. ولما شهد على المغيرة عند عمر عزله عن البصرة، وولاه الكوفة فلم يزل عليها إلى أن قتل عمر فأقره عليه عثمان، ثم عزله عثمان، فلم يزل كذلك.

                                                              واعتزل صفين، فلما كان حين الحكمين لحق بمعاوية، فلما قتل علي، وصالح معاوية الحسن، ودخل الكوفة ولاه عليها وتوفي سنة خمسين. وقيل: سنة إحدى وخمسين بالكوفة أميرا عليها لمعاوية، واستخلف عليها عند موته ابنه عروة [ ص: 1447 ] .

                                                              وقيل: بل استخلف جريرا، فولى معاوية حينئذ الكوفة زيادا مع البصرة، وجمع له العراقين، وتوفي المغيرة بن شعبة بالكوفة في داره بها في التاريخ المذكور.

                                                              ولما قتل عثمان وبايع الناس عليا دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال: يا أمير المؤمنين، إن لك عندي نصيحة قال: وما هي؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة والزبير بن العوام على البصرة، وابعث معاوية بعهده على الشام حتى تلزمه طاعتك، فإذا استقرت لك الخلافة فأدرها كيف شئت برأيك. قال علي: أما طلحة والزبير فسأرى رأيي فيهما، وأما معاوية فلا والله لا أراني الله مستعملا له، ولا مستعينا به، ما دام على حاله، ولكني أدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبى حاكمته إلى الله، وانصرف عنه المغيرة مغضبا لما لم يقبل عنه نصيحته. فلما كان الغد أتاه فقال:

                                                              يا أمير المؤمنين، نظرت فيما قلت بالأمس وما جاوبتني به، فرأيت أنك وفقت للخير، فاطلب الحق. ثم خرج عنه، فلقيه الحسن وهو خارج، فقال لأبيه: ما قال لك هذا الأعور؟ قال: أتاني أمس بكذا وأتاني اليوم بكذا: قال: نصح لك والله أمس، وخدعك اليوم. فقال له علي: إن أقررت معاوية على ما في يده كنت متخذ المضلين عضدا. وقال المغيرة في ذلك:


                                                              نصحت عليا في ابن هند نصيحة     فرد فلا يسمع له الدهر ثانيه
                                                              وقلت له أرسل إليه بعهده     على الشام حتى يستقر معاويه
                                                              ويعلم أهل الشام أن قد ملكته     فأم ابن هند عند ذلك هاويه
                                                              فلم يقبل النصح الذي جئته به     وكانت له تلك النصيحة كافيه



                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية