الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2944 - أبو ذر الغفاري.

                                                              ويقال أبو الذر. والأول أكثر وأشهر. واختلف في اسمه اختلافا كثيرا، فقيل جندب بن جنادة، وهو أكثر وأصح ما قيل فيه إن شاء الله تعالى. وقيل: برير بن عبد الله. وبرير بن جنادة. وبرير بن عشرقة وقيل: برير بن جندب وقيل: جندب بن عبد الله. وقيل: جندب بن السكن.

                                                              والمشهور جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار. وقيل جندب بن سفيان بن جنادة بن عبيد بن الواقفة بن الحرام بن غفار ابن مليل بن ضمرة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار الغفاري، وأمه رملة بنت الوقيعة، من بني غفار بن مليل أيضا [ ص: 1653 ] .

                                                              كان من كبار الصحابة قديم الإسلام. يقال: أسلم بعد أربعة، فكان خامسا، ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وله في إسلامه خبر حسن يروى من حديث ابن عباس ، ومن حديث عبد الله بن الصامت عنه.

                                                              فأما حديث ابن عباس فأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن بكر بن داسة، قال: حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قال حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة ، عن ابن عباس، قال: لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه أنيس: اركب إلى هذا الوادي، واعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدم مكة وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكة بمكارم الأخلاق، وسمعت منه كلاما ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت، فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع. فرآه علي بن أبي طالب، فقال: كأن الرجل غريب. قال: نعم. قال: انطلق إلى المنزل. فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أسأله. قال: فلما أصبحت من الغد رجعت إلى المسجد فبقيت يومي حتى أمسيت، وسرت إلى مضجعي فمر بي علي فقال:

                                                              أما آن للرجل أن يعرف منزله! فأقامه وذهب به معه وما يسأل واحد منهما [ ص: 1654 ] صاحبه عن شيء، حتى إذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فأقامه علي معه، ثم قال له: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره علي رضي الله عنه أنه نبي وأن ما جاء به حق، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني، حتى تدخل معي مدخلي. قال: فانطلقت أقفوه حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت معه، وحييت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام. فقال: وعليك السلام، من أنت؟ قلت: رجل من بني غفار. فعرض علي الإسلام فأسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى قومك فأخبرهم، واكتم أمرك عن أهل مكة، فإني أخشاهم عليك. فقلت: والذي نفسي بيده لأصوتن بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فثار القوم إليه فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه وقال: ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم، وأنقذه منهم، ثم عاد من الغد إلى مثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه ثم لحق بقومه، فكان هذا أول إسلام أبي ذر رضي الله تعالى عنه.


                                                              وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن سلمة المرادي، قال. حدثنا ابن وهب، قال: حدثني الليث [ ص: 1655 ] .

                                                              ابن سعد،
                                                              عن يزيد بن أبي حبيب، قال: قدم أبو ذر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، فأسلم ثم رجع إلى قومه فكان يسخر بآلهتهم، ثم إنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهم في اسمه فقال: أنت أبو نملة، فقال: أنا أبو ذر. قال: نعم أبو ذر. وقد تقدم في باب جندب من خبره ما لم يقع هنا. وتوفي أبو ذر رضي الله عنه بالربذة سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود، ثم مات رضي الله عنه بعده في ذلك العام. وقد قيل:

                                                              توفي سنة أربع وعشرين. والأول أصح إن شاء الله تعالى. وقال علي رضي الله عنه: وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أوكأ عليه، فلم يخرج شيئا منه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم. أبو ذر في أمتي على زهد عيسى ابن مريم. وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما.

                                                              حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا ابن وضاح، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا علي بن زيد بن جدعان، عن بلال بن أبي الدرداء - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر.  وقد ذكرنا من أخباره في باب الجيم من الأسماء ما هو أتم من هذا والحمد لله تعالى.

                                                              ذكر سيف بن عمر، عن القعقاع بن الصلت، عن رجل من كليب بن [ ص: 1656 ] الحلحال، عن الحلحال بن دري الضبي، قال: خرجنا حجاجا مع ابن مسعود سنة أربع وعشرين ونحن أربعة عشر راكبا حتى أتينا على الربذة، فشهدنا أبا ذر فغسلناه وكفناه ودفناه هناك.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية