وكان أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية. وأمه غزية بنت قيس بن طريف، من ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. قال قوم - منهم اسمه إبراهيم بن المنذر: المغيرة. وقال آخرون: بل اسمه كنيته، والمغيرة أخوه [ ص: 1674 ] .
ويقال: إن الذين كانوا يشبهون برسول الله صلى الله عليه وسلم: جعفر بن أبي طالب، والحسن بن علي بن أبي طالب، وقثم بن العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والسائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وكان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب من الشعراء المطبوعين، وكان سبق له هجاء في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإياه عارض بقوله: حسان بن ثابت
ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء هجوت محمدا فأجبت عنه
وعند الله في ذاك الجزاء
وكان إسلامه يوم الفتح قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، لقيه هو وابنه جعفر بن أبي سفيان بالأبواء فأسلما. وقيل: بل لقيه هو وعبد الله بن أبي أمية بين السقيا والعرج. فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فقالت له لا يكن ابن عمك وأخي ابن عمتك أشقى الناس بك. وقال أم سلمة: علي بن أبي طالب لأبي سفيان بن الحارث: إيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف عليه السلام: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولا منه. ففعل ذلك أبو سفيان. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وقبل منهما، وأسلما وأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما سلف منه:
لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمظلم الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أهدى فأهتدي
هداني هاد غير نفسي ودلني على الله من طردته كل مطرد
أصد وأنأى جاهدا عن محمد وأدعى وإن لم أنتسب من محمد
أرقت فبات ليلي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه طول
فأسعدني البكاء وذاك فيما أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها تكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه نفوس الناس أو كادت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ضلالا علينا والرسول لنا دليل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول
لقد علمت قريش غير فخر بأنا نحن أجودهم حصانا
وأكثرهم دروعا سابغات وأمضاهم إذا طعنوا سنانا
وأدفعهم لدى الضراء عنهم وأبينهم إذا نطقوا لسانا
قال عروة: وكان سبب موته أنه حج، فلما حلق الحلاق رأسه قطع [ ص: 1677 ] ثؤلولا كان في رأسه، فلم يزل مريضا منه حتى مات بعد مقدمه من الحج بالمدينة سنة عشرين. ودفن في دار وصلى عليه عقيل بن أبي طالب، رضي الله عنه. وقيل: بل مات عمر بن الخطاب أبو سفيان بن الحارث بالمدينة بعد أخيه بأربعة أشهر إلا ثلاث عشرة ليلة، وكان هو الذي حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام، وكانت وفاة نوفل بن الحارث على ما ذكرنا في بابه سنة خمس عشرة. نوفل بن الحارث