هو والد معاوية، ويزيد، وعتبة، وإخوتهم. ولد قبل الفيل بعشر سنين، وكان من أشراف قريش في الجاهلية، وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها من أرض العجم، وكان يخرج أحيانا بنفسه، فكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب، وكان لا يحبسها إلا رئيس، فإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعت تلك الراية بيد الرئيس. ويقال: كان أفضل قريش في الجاهلية رأيا ثلاثة: عتبة، وأبو جهل، فلما أتى [ ص: 1678 ] الله بالإسلام أدبروا في الرأي. وكان وأبو سفيان، أبو سفيان صديق العباس ونديمه في الجاهلية.
أسلم أبو سفيان يوم الفتح، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، وأعطاه من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية وزنها له بلال، وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية.
واختلف في حين إسلامه، فطائفة ترى أنه لما أسلم حسن إسلامه، وذكروا عن عن أبيه - قال: رأيت سعيد بن المسيب، أبا سفيان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد يقاتل ويقول: يا نصر الله اقترب. وروي أن أبا سفيان ابن حرب كان يقف على الكراديس يوم اليرموك فيقول للناس: الله الله، فإنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار المشركين، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك. وطائفة ترى أنه كان كهفا للمنافقين منذ أسلم، وكان في الجاهلية ينسب إلى الزندقة. وفي حديث عن أبيه أنه لما أتى به ابن عباس العباس - وقد أردفه خلفه يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله أن يؤمنه. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: ويحك يا أبا سفيان ! أما آن لك - أن تعلم أن لا إله إلا الله. فقال:
بأبي أنت وأمى، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إلها غيره لقد أغنى عني شيئا. فقال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله! فقال: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! أما هذه ففي النفس منها شيء. فقال له العباس: ويلك! اشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك. فشهد وأسلم، ثم سأل له العباس رسول الله صلى الله [ ص: 1679 ] عليه وسلم أن يؤمن من دخل داره، وقال: إنه رجل يحب الفخر والذكر، فأسعفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه على نفسه فهو آمن. وفي خبر أنه رآه يوم ابن الزبير اليرموك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر، فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان:
وبنو الأصفر الملوك ملوك الروم لم يبق منهم مذكور
فحدث به أباه لما فتح الله على المسلمين، فقال ابن الزبير قاتله الله يأبى إلا نفاقا، أو لسنا خيرا له من بني الأصفر وذكر الزبير: عن ابن المبارك، مالك ابن مغول، عن قال. لما بويع ابن أبجر، جاء لأبي بكر الصديق أبو سفيان إلى فقال: أغلبكم على هذا الأمر أقل بيت في علي قريش ! أما والله لأملأنها خيلا ورجالا إن شئت. فقال ما زلت عدوا للإسلام وأهله، فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا، إنا رأينا علي: لها أهلا. وهذا الخبر مما رواه أبا بكر عن عبد الرزاق . وروي عن ابن المبارك الحسن أن أبا سفيان دخل على حين صارت الخلافة إليه، فقال: قد صارت إليك بعد عثمان تيم وعدي، فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار. فصاح به ، قم عني، فعل الله بك وفعل. وله أخبار من نحو هذا ردية ذكرها أهل الأخبار لم أذكرها. وفي بعضها ما يدل على أنه لم يكن إسلامه سالما، ولكن حديث عثمان يدل على صحة إسلامه والله أعلم. سعيد ابن المسيبحدثنا قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، [ ص: 1680 ] قال: حدثنا أبي عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: فقدت الأصوات يوم سعيد بن المسيب، اليرموك إلا رجل واحد يقول: يا نصر الله اقترب، والمسلمون يقتتلون هم والروم، فذهبت أنظر، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.
وكانت له كنية أخرى: أبو حنظلة بابنه حنظلة المقتول يوم بدر كافرا.
وشهد أبو سفيان حنينا مسلما وفقئت عينه يوم الطائف، فلم يزل أعور حتى فقئت عينه الأخرى يوم اليرموك أصابها حجر فشدخها فعمي ومات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة وقيل: سنة اثنتين وثلاثين. عثمان
وقيل سنة إحدى وثلاثين. وقيل سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه ابنه معاوية.
وقيل: بل صلى عليه بموضع الجنائز، ودفن عثمان بالبقيع، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل: ابن بضع وتسعين سنة، وكان ربعة دحداحا ذا هامة عظيمة.