إن كنت كاذبة بما حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم
ونجا برأس طمرة ولجام
فاعتذر الحارث بن هشام من فراره يومئذ بما زعم أنه لم يسمع بأحسن من اعتذاره ذلك من فراره، وهو قوله : الأصمعي
الله يعلم ما تركت قتالهم حتى رموا فرسي بأشقر مزبد
ووجدت ريح الموت من تلقائهم في مأزق والخيل لم تتبدد
فعلمت أني إن أقاتل واحدا أقتل ولا ينكي عدوي مشهدي
فصدفت عنهم والأحبة دونهم طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا، ثم أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، وكان من المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم.
وروينا أن استأمنت له النبي صلى الله عليه وسلم فأمنه يوم الفتح، وكانت إذ أمنته قد أراد أم هانئ بنت أبي طالب قتله، وحاول أن يغلبها عليه، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم منزلها ذلك الوقت، فقالت: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن أمي يريد قتل رجل أجرته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت، فأمنه. علي هكذا قال وغيره، وفي حديث الزبير وغيره أن الذي أجارته بعض بني زوجها مالك هبيرة بن أبي وهب وأسلم الحارث فلم ير منه في إسلامه شيء يكره، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فأعطاه مائة من الإبل كما أعطى المؤلفة قلوبهم.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحارث بن هشام وفعله [ ص: 303 ] في الجاهلية في قرى الضيف وإطعام الطعام، فقال: إن الحارث لسري، وإن كان أبوه لسريا، ولوددت أن الله هداه إلى الإسلام. وخرج إلى الشام في زمن راغبا في الرباط والجهاد، فتبعه أهل عمر بن الخطاب مكة يبكون لفراقه، فقال: إنها النقلة إلى الله، وما كنت لأوثر عليكم أحدا. فلم يزل بالشام مجاهدا حتى مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة.
وقال قتل المدائني: الحارث بن هشام يوم اليرموك، وذلك في رجب سنة خمس عشرة، وفي الحارث بن هشام يقول الشاعر:
أحسبت أن أباك يوم تسبني في المجد كان الحارث بن هشام
أولى قريش بالمكارم كلها في الجاهلية كان والإسلام
وأنشد الشاعر أبو زيد عمر بن شبة للحارث بن هشام:
من كان يسأل عنا أين منزلنا فالأقحوانة منا منزل قمن
إذ نلبس العيش صفوا لا يكدره طعن الوشاة ولا ينبو بنا الزمن
وخلف رضي الله عنه على امرأته عمر بن الخطاب فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وهي أم عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقالت طائفة من أهل العلم بالنسب: لم يبق من ولد الحارث بن هشام إلا عبد الرحمن بن الحارث، وأخته أم حكيم بنت حكيم بنت الحارث بن هشام.
روى عن ابن مبارك، عن الأسود بن شيبان، [ ص: 304 ] قال: خرج أبي نوفل بن أبي عقرب الحارث بن هشام من مكة، فجزع أهل مكة جزعا شديدا، فلم يبق أحد يطعم إلا وخرج معه يشيعه، حتى إذا كان بأعلى البطحاء أو حيث شاء الله من ذلك، وقف ووقف الناس حوله يبكون، فلما رأى جزع الناس قال: يا أيها الناس، إني والله ما خرجت رغبة بنفسي عن أنفسكم، ولا اختيار بلد على بلدكم، ولكن كان هذا الأمر، فخرجت فيه رجال من قريش ، والله ما كانوا من ذوي أسنانها ولا من بيوتاتها فأصبحنا والله لو أن جبال مكة ذهب فأنفقناها في سبيل الله ما أدركنا يوما من أيامهم، والله لئن فاتونا به في الدنيا لنلتمسن أن نشاركهم به في الآخرة فاتقى الله امرؤ.
فتوجه إلى الشام واتبعه ثقله فأصيب شهيدا.
روي أخبره عن أبيه أنه قال: عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: فرأيت أن ذلك يسير. يا رسول الله، أخبرني بأمر أعتصم به. فقال: املك عليك هذا، وأشار إلى لسانه، ومن رواية أن لهذا الحديث عنه من يقول: قال ابن شهاب عبد الرحمن: فرأيت أن ذلك شيء يسير، وكنت رجلا قليل الكلام، ولم أفطن له، فلما رمته فإذا لا شيء أشد منه.
[ ص: 305 ]