825 - زياد بن أبي سفيان، ويقال زياد بن أبيه. وزياد بن أمه. وزياد بن سمية، وكان يقال له قبل الاستلحاق زياد بن عبيد الثقفي. وأمه سمية جارية الحارث ابن كلدة.
واختلف في وقت مولده، فقيل: ولد عام الهجرة . وقيل قبل الهجرة.
وقيل: بل ولد يوم بدر. ويكنى أبا المغيرة. ليست له صحبة ولا رواية.
وكان رجلا عاقلا في دنياه، داهية خطيبا، له قدر وجلالة عند أهل الدنيا، روى عن أبيه، عن معتمر بن سليمان أنه أخبره، قال: اشترى أبي عثمان النهدي زياد أباه عبيدا بألف درهم فأعتقه فكنا نغبطه بذلك.
كان قد استعمله على بعض صدقات عمر بن الخطاب البصرة، أو بعض أعمال البصرة. وقيل: بل كان كاتبا فلما شهد على لأبي موسى، المغيرة مع أخيه وأخيه أبي بكرة نافع، وجدهم ثلاثتهم وشبل بن معبد دونه، إذ لم يقطع الشهادة عمر زياد، وقطعوها، وعزله، فقال له زياد: يا أمير المؤمنين، [ ص: 524 ] أخبر الناس أنك لم تعزلني لخزية. وقال بعض أهل الأخبار: إنه قال له:
ما عزلتك لخزية، ولكني كرهت أن أحمل على الناس فضل عقلك، فالله أعلم إن كان [ذلك] كذلك.
ثم صار زياد مع فاستعمله علي، على بعض أعماله، فلم يزل معه إلى أن قتل وانخلع علي الحسن فاستلحقه لمعاوية، وولاه العراقين جمعهما له. ولم يزل كذلك إلى أن توفي معاوية بالكوفة، وهو أمير المصرين في شهر رمضان لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه سنة ثلاث وخمسين، وصلى عليه عبد الله بن خالد بن أسيد، كان قد أوصى إليه بذلك.
وقال الحسن بن عثمان: توفي زياد بن أبي سفيان، ويكنى أبا المغيرة، سنة ثلاث وخمسين، وهو ابن ثلاث وخمسين، فهذا يدل على أنه ولد عام الهجرة وكانت ولايته خمس سنين، ولي المصرين: البصرة والكوفة سنة ثمان وأربعين، وتوفي سنة ثلاث وخمسين وهو ابن ثلاث وخمسين سنة. وقيل ابن ست وخمسين.
وزياد هو الذي احتفر نهر الأبلة حتى بلغ موضع الجبل، وكان يقال زياد يعد لصغار الأمور وكبارها، وكان زياد طويلا جميلا يكسر إحدى عينيه، وفي ذلك يقول الفرزدق للحجاج:
وقبلك ما أعييت كاسر عينه زيادا فلم تعلق علي حبائله
حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم بن سعيد، قالا:حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن، قال أبو سلمة أسامة بن أحمد التجيبي، [ ص: 525 ] قال: حدثنا الحسن بن منصور، قال: حدثنا عبيد بن أبي السري البغدادي، قال:
حدثنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه، عن أبي صالح، عن قال: بعث ابن عباس، عمر بن الخطاب زيادا في إصلاح فساد وقع في اليمن، فرجع من وجهه، وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلها، فقال أما والله لو كان هذا الغلام قرشيا لساق العرب بعصاه. فقال عمرو بن العاص: أبو سفيان بن حرب:
والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه. فقال ومن هو يا علي بن أبي طالب: أبا سفيان؟ قال: أنا. قال: مهلا يا أبا سفيان. فقال أبو سفيان:
أما والله لولا خوف شخص يراني يا من الأعادي علي
لأظهر أمره صخر بن حرب ولم تكن المقالة عن زياد
وقد طالت مجاملتي ثقيفا وتركي فيهم ثمر الفؤاد
قال وفيه شعر تركته، لأني اختصرت الخبر فيه. أبو عمر:
فكتب إليه علي:
«إنما وليتك ما وليتك. وأنت أهل لذلك عندي، ولن تدرك ما تريد مما أنت فيه إلا بالصبر واليقين، وإنما كانت من أبي سفيان فلتة [ ص: 526 ] زمن لا تستحق بها نسبا ولا ميراثا. وإن عمر يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه، فاحذره، ثم احذره. والسلام» . معاوية
فلما قرأ زياد الكتاب قال: شهد لي أبو الحسن ورب الكعبة. قال:
فذلك الذي جرأ زيادا ومعاوية على ما صنعا. ثم ادعاه في سنة أربع وأربعين، ولحق به معاوية زيادا أخا على ما كان من أبي سفيان في ذلك، وزوج معاوية ابنته من ابنه محمد بن زياد، وكان أبو بكرة أخا زياد لأمه، أمهما سمية. فلما بلغ أن أبا بكرة استلحقه، وأنه رضي بذلك آلى يمينا لا يكلمه أبدا، وقال: هذا زنى أمه، وانتفى من أبيه، ولا والله ما علمت معاوية سمية رأت أبا سفيان قط، ويله ما يصنع أيريد أن يراها، فإن حجبته فضحته، وإن رآها فيا لها مصيبة! يهتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة عظيمة، وحج بأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زياد في زمن فأراد الدخول على معاوية، ثم ذكر قول أم حبيبة، فانصرف عن ذلك. أبي بكرة،
وقيل: إن حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها. وقيل: إنه حج ولم يزر من أجل قول أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أبي بكرة،
جزى الله خيرا، فما يدع النصيحة على حال. أبا بكرة
ولما ادعى معاوية زيادا دخل عليه بنو أمية، وفيهم عبد الرحمن بن الحكم فقال له: يا لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلة وذلة، فأقبل معاوية، على معاوية مروان وقال: أخرج عنا هذا الخليع، فقال مروان: والله [ ص: 527 ] إنه لخليع ما يطلق. فقال والله لولا حلمي وتجاوزي لعلمت أنه يطاق. ألم يبلغني شعره في معاوية: زياد، ثم قال لمروان أسمعنيه، فقال:
ألا أبلغ معاوية بن صخر فقد ضاقت بما تأتي اليدان
أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال أبوك زان
فأشهد أن رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الأتان
وأشهد أنها حملت زيادا وصخر من سمية غير دان
ألا بلغ معاوية بن حرب مغلغلة من الرجل اليماني
روى وغيره أن عمر بن شبة ابن مفرغ لما وصل إلى أو إلى ابنه معاوية يزيد بعد أن شفعت فيه اليمانية وغضبت لما صنع به عباد وأخوه عبيد الله، وبعد أن لقي من عباد وأخيه عبيد الله بن زياد ما لقي مما يطول ذكره، وقد نقله أهل الأخبار ورواة الأشعار، بكى، وقال: يا أمير المؤمنين، ركب مني ما لم يركب من مسلم قط على غير حدث في الإسلام، ولا خلع يد من طاعة، فقال له معاوية:
ألست القائل:
ألا أبلغ معاوية بن حرب مغلغلة من الرجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال أبوك زان
شهدت بأن أمك لم تباشر أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمرا فيه لبس على وجل شديد وارتياع
إن زيادا ونافعا عندي من أعجب العجب وأبا بكرة
هم رجال ثلاثة خلقوا في رحم أنثى وكلهم لأب
ذا قرشي كما يقول وذا مولى وهذا بزعمه عربي
قال أبو عمر: ليزيد بن مفرغ في هجو زياد وبنيه من أجل ما لقي من عباد بن زياد بخراسان أشعار كثيرة، وقصته مع وأخيه عباد بن زياد عبيد الله بن زياد مشهورة، ومن قوله يهجوهم:
أعباد ما للؤم عنك محول ولا لك أم في قريش ولا أب
وقل لعبيد الله ما لك والد بحق ولا يدري امرؤ كنت تنسب
ما هجيت بشيء أشد على من قول ابن مفرغ:
فكر ففي ذاك إن فكرت معتبر هل نلت مكرمة إلا بتأمير
عاشت سمية ما عاشت وما علمت إن ابنها من قريش في الجماهير
زياد لست أدري من أبوه ولكن الحمار أبو زياد
إليك أبا المغيرة تبت مما جرى بالشام من جور اللسان
وأغضبت الخليفة فيك حتى دعاه فرط غيظ أن لحاني
وقلت لمن يلمني في اعتذاري إليك الحق شأنك غير شاني
عرفت الحق بعد خطاء رأيي وما ألبسته غير البيان
زياد من أبي سفيان غصن تهادى ناضرا بين الجنان
أراك أخا وعما وابن عم فما أدري بعين من تراني
وأنت زيادة في آل حرب أحب إلي من وسطى بناني
ألا بلغ معاوية بن حرب فقد ظفرت بما يأتي اليدان
قال: كتاب إلى أمير المؤمنين بالرضا عني. قال: نعم، ثم دعا كاتبه فقال [ ص: 530 ] .
اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله معاوية أمير المؤمنين، من زياد بن أبي سفيان، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد:
[فإنه] وذكر الخبر [وفيه ] . فأخذ الكتاب ومضى حتى دخل على فقرأ الكتاب ورضي عنه ورده إلى حاله، وقال: قبح الله معاوية زيادا ألم يتنبه له إذ قال: وأنت زيادة في آل حرب.
قال روينا أبو عمر: زيادا كتب إلى أني قد أخذت معاوية العراق بيميني وبقيت شمالي فارغة - يعرض له بالحجاز، فبلغ ذلك فقال: اللهم اكفنا شمال عبد الله بن عمر زياد، فعرضت له قرحة في شماله فقتلته، ولما بلغ موت ابن عمر زياد قال: اذهب إليك ابن سمية فقد أراح الله منك. أن
حدثنا حدثنا خلف بن قاسم، الحسن بن رشيق، حدثنا حدثنا أبو بشر الدولابي، حدثنا إبراهيم بن أبي داود، خريم بن عثمان، حدثنا عن أبو هلال، قال: قال قتادة، زياد لبنيه لما احتضر: ليت أباكم كان راعيا في أدناها وأقصاها ولم يقع بالذي وقع به. وقال ولد أبو الحسن المدائني: زياد عام التاريخ. ومات بالكوفة يوم الثلاثاء لأربع خلون من شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.