الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              846 - زيد بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح [بن عدي] بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي العدوي.

                                                              أخو عمر بن الخطاب لأبيه، يكنى أبا عبد الرحمن. أمه أسماء بنت وهب بن حبيب من بني أسد بن خزيمة. وأم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومي، كان زيد أسن من عمر، وكان من المهاجرين الأولين، أسلم قبل عمر، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معن بن عدي العجلاني، حين آخى بين المهاجرين والأنصار بعد قدومه المدينة، فقتلا باليمامة شهيدين. وكان زيد بن الخطاب طويلا بائن الطول أسمر، شهد بدرا وأحدا والخندق وما بعدها من المشاهد، وشهد بيعة الرضوان بالحديبية، ثم قتل باليمامة شهيدا سنة اثنتي عشرة، وحزن عليه عمر حزنا شديدا.

                                                              ذكر أبو زرعة الدمشقي في باب الإخوة من تاريخه قال: أخبرني محمد بن أبي عمر، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: قتل زيد بن الخطاب باليمامة، فوجد عليه عمر وجدا شديدا. قال أبو زرعة: وشهدت أبا مسهر يملي على يحيى بن معين قال: حدثنا صدقة بن خالد، عن ابن جابر، قال: قال عمر ابن الخطاب: ما هبت الصبا إلا وأنا أجد منها ريح زيد. وروى نافع عن ابن عمر قال: قال عمر لأخيه زيد يوم أحد: خذ درعي. قال: إني أريد من الشهادة ما تريد، فتركاها جميعا. [ ص: 551 ]

                                                              وكانت مع زيد راية المسلمين يوم اليمامة، فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو، ويضارب بسيفه حتى قتل رحمه الله، ووقعت الراية فأخذها سالم بن معقل مولى أبي حذيفة.

                                                              وذكر محمد بن عمر الواقدي قال: حدثني الحجاف بن عبد الرحمن من ولد زيد بن الخطاب عن أبيه قال: كان زيد بن الخطاب يحمل راية المسلمين يوم اليمامة، وقد انكشف المسلمون حتى غلبت حنيفة على الرجال، فجعل زيد يقول: أما الرجال فلا رجال [وأما الرجال فلا رجال] ثم جعل يصيح بأعلى صوته: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل، وجعل يشير بالراية يتقدم بها في نحر العدو، ثم ضارب بسيفه حتى قتل، ووقعت الراية، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، فقال المسلمون:

                                                              يا سالم، إنا نخاف أن نؤتى من قبلك! فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي.
                                                               

                                                              وزيد بن الخطاب هو الذي قتل الرجال بن عنفوة. وقيل عفوة، واسمه نهار بن عنفوة، وكان قد هاجر، وقرأ القرآن ثم سار إلى مسيلمة مرتدا، وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يشركه في الرسالة، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة.

                                                              وروي عن أبي هريرة، قال: جلست مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 552 ] في رهط، ومعنا الرجال بن عنفوة، فقال: إن فيكم لرجلا ضرسه في النار مثل أحد. فهلك القوم، وبقيت أنا والرجال بن عنفوة، فكنت متخوفا لها حتى خرج الرجال مع مسيلمة، وشهد له بالنبوة. وقتل يوم اليمامة، قتله زيد ابن الخطاب.

                                                              وذكر خليفة بن خياط، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن ابن عوف، عن محمد بن سيرين، قال: كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيد بن الخطاب يوم اليمامة، قال: وقال أبو مريم لعمر: يا أمير المؤمنين، إن الله أكرم زيدا بيدي ولم يهني بيده.

                                                              قال: وأخبرنا علي بن محمد قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال:

                                                              كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيد بن الخطاب.

                                                              قال: وأنبأنا علي بن محمد أبو الحسن، عن أبي خزيمة الحنفي، عن قيس بن طلق، قال: قتله سلمة بن صبيح ابن عم أبي مريم.

                                                              قال أبو عمر رحمه الله: النفس أميل إلى هذا، لأن أبا مريم لو كان قاتل زيد ما استقضاه عمر، والله أعلم.

                                                              وقد كان مالك يقول: أول من استقضى معاوية، وينكر أن يكون استقضى أحد من الخلفاء الأربعة. وهذا عندنا محمول على حضرتهم، لا على ما نأى عنهم، وأمروا عليه من أعمالهم غيرهم، لأن استقضاء عمر لشريح على الكوفة أشهر عند علمائها من كل شهرة وصحة [ ص: 553 ] .

                                                              ولما قتل زيد بن الخطاب، ونعي إلى أخيه عمر قال: رحم الله أخي، سبقني إلى الحسنيين، أسلم قبلي، واستشهد قبلي.

                                                              وقال عمر لمتمم بن نويرة حين أنشده مراثيه في أخيه: لو كنت أحسن الشعر لقلت في أخي زيد مثل ما قلت في أخيك. فقال متمم: لو أن أخي ذهب على ما ذهب عليه أخوك ما حزنت عليه. فقال عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني به.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية