والذي رماه بالسهم حبان بن العرقة، وقال: خذها وأنا ابن العرقة، [ ص: 603 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرق الله وجهه في النار. والعرقة هي قلابة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص، وهذا حبان ابنها هو ابن عبد مناف بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.
وقيل: إن العرقة تكنى أم فاطمة، وإنما قيل لها العرقة لطيب ريحها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بضرب فسطاط في المسجد لسعد بن معاذ، وكان يعوده في كل يوم حتى توفي سنة خمس من الهجرة، وكان موته بعد الخندق بشهر، وبعد قريظة بليال، كذلك رواه سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد [بن أبي وقاص، عن أبيه، وروى الليث بن سعد ] عن أبي الزبير، عن جابر، قال: رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتفخت يده ونزفه الدم، فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني في بني قريظة، فاستمسك عرقه، فما قطر قطرة حتى نزل بنو قريظة على حكمه، وكان حكمه فيهم أن تقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذريتهم، فيستعين بها المسلمون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبت حكم الله فيهم، وكانوا أربعمائة، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات.
وروي من حديث سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لقد نزل من الملائكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفا ما وطئوا الأرض قبل. وروي من حديث أنس بن مالك قال: لما حملنا جنازة سعد بن معاذ [ ص: 604 ] قال المنافقون: ما أخف جنازته، وكان رجلا طوالا ضخما! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة حملته. وروى [إبراهيم بن سعد عن ] ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحد من المسلمين أفضل منهم: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ، وروي عرش الرحمن، وهو حديث روي من وجوه عدة كثيرة متواترة، رواها جماعة من الصحابة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة رآها تشترى : لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها. وهو حديث ثابت أيضا.
وقال له صلى الله عليه وسلم - إذ حكم في بني قريظة بقتل المقاتلة وسبي الذرية: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات: وقال صلى الله عليه وسلم: لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا منها سعد بن معاذ. حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا أبو قرة محمد ابن حميد، حدثنا سعيد بن تليد، حدثنا محمد بن فضالة، عن أبي طاهر عبد الملك ابن محمد بن أبي بكر، عن عمه عبد الله بن أبي بكر، قال: مات سعد بن معاذ من جرح أصابه يوم الخندق شهيدا. قال: وبلغني أن جبرئيل عليه السلام نزل في جنازته معتجرا بعمامة من إستبرق، وقال: يا نبي الله، من هذا الذي [ ص: 605 ] فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه، فوجد سعدا قد قبض، وقال رجل من الأنصار:
وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو
أخبرنا خلف بن قاسم، قال حدثنا الحسن بن رشيق، قال حدثنا أحمد ابن الحسن الصباحي، قال حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن شاكر، قال حدثنا: عبد الله بن حسين الأشقر أبو بلال، قال حدثنا زافر بن سليمان، عن عبد العزيز ابن أبي سلمة الماجشون، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس، قال قال سعد بن معاذ: ثلاث أنا فيهن: رجل [يعني] كما ينبغي، وما سوى ذلك فأنا رجل من الناس، ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا قط إلا علمت أنه حق من الله عز وجل، ولا كنت في صلاة قط فشغلت نفسي بشيء غيرها حتى أقضيها، ولا كنت في جنازة قط فحدثت نفسي بغير ما تقول، ويقال لها، حتى أنصرف عنها.قال سعيد بن المسيب: هذه الخصال ما كنت أحسبها إلا في نبي.


