قال الواقدي: حدثني سلمة، عن عائشة بنت سعد، عن سعد، قال: أسلمت وأنا ابن تسع عشرة سنة. وروي عنه أنه قال: أسلمت قبل أن تفرض الصلوات.
وشهد بدرا، والحديبية، وسائر المشاهد، وهو أحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض.
وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وكان مجاب الدعوة مشهورا بذلك، تخاف دعوته وترجى، لا يشك في إجابتها عندهم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: اللهم سدد سهمه، وأجب دعوته. وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وذلك في سرية عبيدة بن الحارث، وكان معه يومئذ المقداد بن عمرو، وعتبة بن غزوان.
ويروى أن سعدا قال في معنى أنه أول من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل:
ألا هل جا رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي أذود بها عدوهم ذيادا
بكل حزونة وبكل سهل فما يعتد رام من معد
بسهم مع رسول الله قبلي
روى ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: اللهم أجب دعوته، وسدد رميته. وروى يحيى القطان قال: حدثنا مجالد، قال: حدثنا عامر، عن جابر بن عبد الله، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل سعد فقال: أنت خالي. وروى وكيع، عن إسماعيل بن قيس، قال: سمعت سعدا يقول: أنا أول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله في الغزو عند القتال.
وكان أحد الفرسان الشجعان من قريش الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه، وهو الذي كوف الكوفة ولقى الأعاجم، وتولى قتال فارس، أمره عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ذلك، ففتح الله على يده أكثر فارس، وله كان فتح القادسية وغيرها، وكان أميرا على الكوفة، فشكاه أهلها، ورموه بالباطل، فدعا على الذي واجهه بالكذب [عليه ] دعوة ظهرت فيه إجابتها، والخبر بذلك مشهور تركت ذكره لشهرته.
وعزله عمر، وذلك في سنة إحدى وعشرين حين شكاه أهل الكوفة، وولى عمار بن ياسر الصلاة، وعبد الله بن مسعود بيت المال، وعثمان بن حنيف مساحة الأرض ، ثم عزل عمارا، وأعاد سعدا على الكوفة ثانية، ثم عزله [ ص: 609 ] وولى جبير بن مطعم، ثم عزله قبل أن يخرج إليها، وولى المغيرة بن شعبة، فلم يزل عليها حتى قتل عمر رضي الله عنه، فأقره عثمان يسيرا ثم عزله، وولى سعدا، ثم عزله، وولى الوليد بن عقبة.
وقد قيل: إن عمر لما أراد أن يعيد سعدا على الكوفة أبى عليه وقال:
أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن أن أصلي! فتركه. فلما طعن عمر جعله أحد أهل الشورى. وقال: إن وليها سعد فذاك وإلا فليستعن به الوالي، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.
ورامه ابنه عمر بن سعد أن يدعو لنفسه بعد قتل عثمان فأبى، وكذلك رامه أيضا ابن أخيه هاشم بن عتبة، فلما أبى عليه صار هاشم إلى علي رضي الله عنه.
وكان سعد ممن قعد ولزم بيته في الفتنة، وأمر أهله ألا يخبروه من أخبار الناس بشيء حتى تجتمع الأمة على إمام، فطمع فيه معاوية، وفي عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وكتب إليهم يدعوهم إلى عونه على الطلب بدم عثمان ويقول لهم:
إنهم لا يكفرون ما أتوه من قتله وخذلانه إلا بذلك، ويقول: إن قاتله وخاذله سواء، في نثر ونظم كتب به إليهم تركت ذكره، فأجابه كل واحد منهم يرد عليه ما جاء به من ذلك، وينكر مقالته، ويعرفه بأنه ليس بأهل لما يطلب، وكان في جواب سعد بن أبي وقاص له:
معاوي داؤك الداء العياء وليس لما تجيء به دواء
أيدعوني أبو حسن علي فلم أردد عليه ما يشاء
وقلت له أعطني سيفا بصيرا تميز به العداوة والولاء
فإن الشر أصغره كبير وإن الظهر تثقله الدماء
أتطمع في الذي أعيا عليا على ما قد طمعت به العفاء
ليوم منه خير منك حيا وميتا أنت للمرء الفداء
فأما أمر عثمان فدعه فإن الرأي أذهبه البلاء
واختلف في وقت وفاته، فقال الواقدي: توفي سنة خمس وخمسين وهو ابن بضع وسبعين سنة. وقال أبو نعيم: مات سعد بن أبي وقاص سنة ثمان وخمسين.
وقال الزبير، والحسن بن عثمان، وعمرو بن علي الفلاس: توفي سعد بن أبي وقاص سنة أربع وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة. وقال الفلاس:
وهو ابن أربع وسبعين سنة. وذكر أبو زرعة، عن أحمد بن حنبل قال: توفي سعد بن أبي وقاص، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة في إمارة معاوية بعد حجته الأخرى.
واختلف في صفته اختلافا كثيرا متضادا، فلم أذكرها لذلك. وروى الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص لما حضرته الوفاة دعا بخلق جبة له من صوف، فقال: كفنوني فيها، فإني كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وهي علي، وإنما كنت أخبؤها لذلك [ ص: 611 ] .


