الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              مسألة: يسن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه   . وقال أبو حنيفة: لا يسن وعن مالك: كالمذهبين.

                                                              لنا أحاديث [ ص: 331 ] أحدها:

                                                              419 - أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا الحسن بن علي التميمي ، قال: أنبأنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا سفيان ، عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين". أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين.

                                                              قال البخاري: ، قال علي بن المديني -وكان أعلم أهل زمانه- حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث.

                                                              حديث آخر.

                                                              420 - أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أنبأنا عبد الصمد بن المأمون ، أنبأنا أبو نصر الملاحمي ، قال: حدثنا محمود بن إسحاق الخزاعي ، قال: حدثنا البخاري ، قال: حدثنا هشام بن عبد الملك ، قال: حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن مالك بن الحويرث ، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع". أخرجاه في الصحيحين.

                                                              حديث آخر.

                                                              421 - أخبرنا هبة الله بن محمد ، قال: أنبأنا أبو علي التميمي ، قال: أنبأنا أبو بكر بن مالك ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر ، قال: "استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة فكبر ورفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه فلما ركع وضع يديه على ركبتيه فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه".

                                                              وقد روى هذه السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم عمر ، وعلي ، وأبو موسى ، ومحمد بن سلمة ، وأبو قتادة ، وابن عمر ، وابن عمرو ، وابن عباس ، وأبو سعيد ، وأبو أسيد ، وجابر ، وأنس ، وأبو هريرة ، وسهل بن سعد ، وابن الزبير وغيرهم ولم [ ص: 332 ] يثبت عن أحد من الصحابة أنه لم يرفع وكان ابن عمر إذا رأى رجلا لا يرفع يديه كلما خفض ورفع حصبه حتى يرفع.

                                                              422 - أخبرنا أبو منصور القزاز ، أنبأنا عبد الصمد بن المأمون ، أنبأنا أبو نصر الملاحمي ، حدثنا محمد بن إسحاق الخزاعي ، قال: حدثنا البخاري ، حدثنا مسدد ، قال: حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أيديهم المراوح يرفعونها إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم" ، وقال عبد الرزاق: أخذ أهل مكة رفع اليدين في الافتتاح والركوع والرفع منه عن ابن جريج وأخذه ابن جريج عن عطاء وأخذه عطاء ، عن ابن الزبير وأخذه ابن الزبير ، عن أبي بكر وأخذه أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أحاديثكم منسوخة صرح بذلك حديثان.

                                                              أحدهما:

                                                              عن ابن عباس ، قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك".

                                                              والثاني:

                                                              حديث ابن الزبير "أنه رأى رجلا يرفع يديه من الركوع فقال: مه فإن هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه" ثم لو لم ندع النسخ فهي معارضة بستة أحاديث.

                                                              الحديث الأول:

                                                              423 - أخبرنا أبو القاسم بن عبد الواحد الكاتب ، أنبأنا أبو علي التميمي ، قال: أنبأنا أبو بكر بن مالك ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم بن كليب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة ، قال قال عبد الله مسعود "ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع يديه إلا مرة" [ ص: 333 ] .

                                                              طريق آخر:

                                                              424 - أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرني الحسن بن علي التميمي ، قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ ، حدثنا عمر بن عبد الله بن عمرو ، قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال: حدثنا محمد بن جابر ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله ، قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ، وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة" .

                                                              الحديث الثاني:

                                                              425 - أخبرنا ابن عبد الخالق ، أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد ، حدثنا محمد بن عبد الملك ، قال: حدثنا الدارقطني ، قال: حدثنا ابن صاعد ، حدثنا لوين ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من صلاته" .

                                                              الحديث الثالث:

                                                              426 - أخبرنا ابن الحصين ، قال: أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن سليمان ، قال: سمعت المسيب بن رافع يحدث عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم- "أنه دخل المسجد فأبصر قوما قد رفعوا أيديهم فقال: قد رفعوها كأنها أذناب الخيل الشمس ، اسكنوا في الصلاة". انفرد بإخراجه مسلم [ ص: 334 ]

                                                              الحديث الرابع:

                                                              427 - أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ ، عن أبي بكر بن خلف ، عن أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي ، قال: حدثنا حامد بن عبد الله الواعظ ، حدثنا علي بن محمد بن عيسى ، حدثنا محمد بن عكاشة الكرماني ، حدثنا المسيب بن واضح ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن أنس ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رفع يديه في التكبير فلا صلاة له".

                                                              الحديث الخامس:

                                                              428 - حديث عن محمد بن نصر ، قال: أنبأنا علي بن محمد بن عبد الحميد ، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن لال ، حدثنا عبيد الرحمن بن علي بن محمد الفقيه ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا المأمون بن أحمد السلمي ، حدثنا المسيب بن واضح ، عن ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له" .

                                                              الحديث السادس:

                                                              429 - رووا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن عند افتتاح الصلاة وعند استقبال البيت وعند الصفا والمروة وعند الجمرتين وعند الموقف".

                                                              ورووا عن عمر أنه قال: "إن رفع اليدين في الصلاة لبدعة" وعن علي "أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع يديه بعد" وعن مجاهد أنه قال: "صليت خلف ابن عمر سنتين فلم يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى". قالوا: وهذا يؤيد قولنا: إن أحاديثكم منسوخة. والجواب: أن من شرط الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ ، وحديث ابن عباس ، وابن الزبير لا يعرفان أصلا والمحفوظ عنهما الرفع. وروى أبو داود من حديث ميمون المكي "أنه رأى ابن الزبير وصلى لهم يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد ، قال: فذهبت إلى ابن عباس فأخبرته بذلك فقال: إن أحببت أن تنظر إلى [ ص: 335 ] صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير" وقد روى ابن عباس أنه "كان يرفع يديه في المواطن الثلاثة".

                                                              وأما حديث المعارضة: فحديث ابن مسعود الأول: قال فيه عبد الله بن المبارك: لا يثبت هذا الحديث ، وقال أبو داود: ليس بصحيح ، وقال غيرهما: لم يسمع عبد الرحمن من علقمة ، ويجوز أن يكون علقمة لم يضبط أو ابن مسعود قد خفي عليه هذا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما خفي عليه غيره مثل نسخ التطبيق.

                                                              وأما طريقه الثاني: فقال الدارقطني : تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفا عن حماد وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلا عن عبد الله من قوله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب. قلت: قال أحمد بن حنبل : لا يحدث عن محمد بن جابر إلا من هو شر منه ، وقال يحيى: ليس بشيء.

                                                              وأما حديث البراء ففيه يزيد بن أبي زياد ، قال علي بن المديني ، ويحيى بن معين: هو ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه ، وقال ابن المبارك: ارم به ، وقال النسائي: متروك الحديث ، وقال الدارقطني : إنما لقن يزيد في آخر عمره "ثم لم يعد" فتلقنه. وكان قد اختلط وكذا قال سفيان بن عيينة لقن يزيد هذا المناكير. قلت: ويمكن أن يكون هذا من الراوي عنه فإنه قد رواه عنه إسماعيل بن زكريا ، ومحمد بن أبي ليلى ، قال أحمد: إسماعيل ضعيف ، ومحمد بن أبي ليلى ضعيف مضطرب الحديث ويؤكد أن ذلك من الرواة.

                                                              430 - أخبرنا به ابن عبد الخالق ، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد ، أنبأنا ابن بشران ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا أبو بكر الأدمي ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب ، قال: حدثنا علي بن عاصم ، قال: حدثنا محمد بن أبي ليلى ، عن يزيد بن أبي زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب ، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة فكبر رفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه ثم لم يعد" قال علي فلما قدمت الكوفة قيل لي إن يزيد حي فأتيته فحدثني بهذا الحديث. قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء ، قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة فكبر رفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه" فقلت: إنه أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت "ثم لم يعد" قال: لا أحفظ هذا فعاودته فقال: لا أحفظ هذا. قال البخاري: وكذلك روى الحفاظ الذين سمعوه من يزيد قائما. منهم الثوري ، وشعبة ، وزهير ليس فيه "ثم لم يعد" قال أبو داود: ورواه هشيم ، وخالد ، وابن إدريس ، عن يزيد ولم يذكروا فيه "ثم لا يعود" وقد روى محمد بن أبي ليلى عن أخيه عيسى ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي [ ص: 336 ] ليلى عن البراء ، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين افتتح الصلاة ثم لم يرفعهما حتى انصرف". وقد ذكرنا عن أحمد تضعيف محمد بن أبي ليلى ، قال أبو داود: هذا الحديث ليس بصحيح.

                                                              وأما حديث جابر بن سمرة فإنه لم يرد به ما نحن فيه وقد روي ذلك مفسرا.

                                                              431 - أخبرنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، قال: أنبأنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا مسعر ، عن عبيد الله بن القبطية ، قال: سمعت جابر بن سمرة ، قال: "كنا نقول خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلمنا السلام عليكم يشير أحدنا بيده عن يمينه وشماله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال الذين يرمون بأيديهم في الصلاة كأنها أذناب الخيل الشمس ألا يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم عن يمينه وشماله". انفرد بإخراجه مسلم .

                                                              وأما حديث أنس ففيه محمد بن عكاشة ، قال الدارقطني : كان يضع الحديث.

                                                              وأما حديث أبي هريرة ففيه مأمون وكان كذابا قال ابن حبان كان دجالا من الدجالين.

                                                              وأما حديث ابن عباس فلا يعرف مسندا إنما هو موقوف عليه والمعروف عنه ترفع الأيدي في سبعة مواطن: ولا يصح ما حكوا لا عن عمر ولا عن علي ولا عن ابن عمر ثم أخبارنا مثبتة وأخبارهم نافية فكانت أولى .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية