الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه استأذن عليه رهط من اليهود فقالوا: السام عليكم يا أبا القاسم، فقالت عائشة: عليكم السام، واللعنة، والأفن، والذام"   .

حدثناه أحمد بن إبراهيم بن مالك، نا أبو مسلم الكجي، نا الرمادي، نا سفيان، أخبرني أبو هارون المديني أن عائشة قالت ذلك.

قوله: "السام" فسره أبو عبيد في كتابه، وقال: هو الموت. قال أبو سليمان: وتأوله قتادة على خلاف هذا.

حدثنا محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي، نا يحيى بن أبي طالب، نا عبد الوهاب، أنا سعيد بن أبي عروبة قال: كان قتادة يفسر "السام عليكم": تسأمون دينكم، وهو مصدر سئمته سآمة وسآما مثل رضاعة ورضاع ولذاذة ولذاذ. والأفن: النقص، ومنه قولهم: رجل أفين أي: ناقص العقل، وفي مثل للعرب: إن الرقين تذهب أفن الأفين، قال قيس بن الخطيم:


رددنا الكتيبة مفلولة بها أفنها وبها ذامها



[ ص: 321 ] ويقال: أفنت الناقة إذا استوعبت حلبا، قال الشاعر:


إذا أفنت أروى عيالك أفنها     وإن حينت أربى على الوطب حينها



وهذا راجع أيضا إلى النقص. والذام: العيب، وهو الذاب والذان، ومنه قولهم: "لا تعدم الحسناء ذاما".

قال لبيد:


وكثيرة غرباؤها مجهولة     ترجى نوافلها ويخشى ذامها



يقال: ذامه يذيمه، وذماه يذميه مقلوبا، وفيه لغة أخرى: ذأمه يذأمه ذأما مهموز، وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لعائشة: "لا تقولي ذلك؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفاحش"   . أراد بالفحش عدوان الجواب لا الفحش الذي هو من قذع الكلام، والفحش: زيادة الشيء على مقداره.

ومنه قول الفقهاء: يصلى في دم البراغيث إذا لم يكن فاحشا  أي: كثيرا غالبا. وقال النمر بن تولب:


وقد تثلم أنيابي وأدركني     قرن علي شديد فاحش الغلبه



[ ص: 322 ] وقال امرؤ القيس:


وجيد كجيد الريم ليس بفاحش     إذا هي نصته ولا بمعطل



جعل زيادة الجيد على مقداره المستحسن فحشا.

وفي خبر هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنه قال لها: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله"، قالت: أولم تعلم ما قالوا؟ قالوا: السام عليك، قال: "قد قلت: عليكم" .

قال أبو سليمان: وهذا أحسن من رواية من قال: وعليكم بالواو؛ لأن هذا معناه رددت ما قلتموه عليكم، وإذا أدخلت الواو صار المعنى علي وعليكم، لأن الواو حرف الجمع والتشريك.

التالي السابق


الخدمات العلمية