الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فهو صدقة، جائزته يومه وليلته، ولا يثوي عنده حتى يحرجه"   .

حدثناه أحمد بن إبراهيم بن مالك، نا بشر بن موسى، نا الحميدي، نا سفيان، نا ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح الكعبي.

[ ص: 353 ]

قوله: "جائزته يومه وليلته" تفسيره ما قال مالك: أخبرني محمد بن بكر بن عبد الرزاق، نا أبو داود، عن الحارث بن مسكين، عن أشهب، قال: سئل مالك بن أنس عن قوله: "جائزته يومه وليلته"  قال: يكرمه ويتحفه ويخصه يوما وليلة، وثلاثة أيام ضيافة قسم -صلى الله عليه وسلم- أمره إلى ثلاثة أقسام: إذا نزل به الضيف أتحفه في اليوم الأول، وتكلف له على قدر وجده، فإذا كان اليوم الثاني قدم إليه ما يحضره، فإذا جاوز مدة الثلاث كان مخيرا بين أن يتم على وتيرته وبين أن يمسك، وجعله كالصدقة النافلة، وقوله: لا يثوي عنده حتى يحرجه، فإن الثواء الإقامة بالمكان. يقول: لا يقيم عنده بعد الثلاث حتى يضيق صدره، وأصل الحرج الضيق، وقد روي في هذا الحديث من طريق عبد الحميد بن جعفر: "ولا يحل لأحدكم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه" قالوا: وكيف يؤثمه؟ قال: "يقيم عنده وليس عنده شيء يقريه" . وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"   .

قال أبو سليمان: وأنا أنكر هذا التفسير وأراه غلطا، وكيف يأثم في ذلك وهو لا يتسع لقراه، ولا يجد سبيلا إليه، وإنما الكلفة على قدر الطاقة. قال الله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها .

ووجه الحديث أنه إنما كره له المقام عنده بعد الثلاث لئلا يضيق صدره بمقامه، فتكون الصدقة منه على وجه المن والأذى فيبطل أجره، قال الله تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى .

[ ص: 354 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية