الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه شق المشاعل يوم خيبر، وذلك أنه وجد أهل خيبر ينتبذون فيها".  

أخبرناه محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن من سمع عكرمة يذكره.

المشاعل: الزقاق واحدها مشعل، وقال بعضهم: المشعل شيء من جلود، له أربع قوائم ينتبذ فيه، قال ذو الرمة:


أضعن مواقت الصلوات عمدا وحالفن المشاعل والجرارا



وأخبرني أبو عمر قال: قال بعض الأعراب: اللهم أمتني ميتة أبي [ ص: 360 ] خارجة فقيل: وكيف مات أبو خارجة، قال: أكل بذجا، وشرب مشعلا، ونام في الشمس، فلقي الله شبعان ريان دفآن.

والبذج: الحمل. قال الراجز:


قد هلكت جارتنا من الهمج     وإن تجع تأكل عتودا أو بذج



ومن أوعية الخمر الذوارع، وهي زقاق صغار. قال ابن قتيبة: لا واحد لها من لفظها. وأخبرني الرهني قال: قال ثعلب: واحدها ذارع، وأنشد أبو العباس:


كأن الذارع المشكوك فيه     سليب من رجال الديبلان



فأما الحميت فهو ما يجعل فيه السمن والزيت ونحوهما، ومثله النحي، وفي مثل: "أشغل من ذات النحيين" . ولها قصة.

وأنشدني أبو عمر، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي لبعض الأعراب:


تسلأ كل حرة نحيين     ، وإنما تسلأ عكتين
ثم تقول اشتر لي قرطين     قرطك الله على الأذنين
عقاربا صما وأرقمين



[ ص: 361 ] فأما نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب في النقير، والمزفت، والحنتم،  وإباحته أن يشرب في السقاء الموكأ، فقد فسرها أبو عبيد في كتابه إلا أنه لم يذكر المعنى فيها، ولا السبب الذي من أجله فرق بينها وبين الموكأ، والمعنى في ذلك -والله أعلم- أن النقير والمزفت والحنتم أوعية ضارية تسرع بالشدة إلى الشراب، وقد يحدث فيه التغير، ولا يشعر به صاحبه فهو على خطر من شرب المحرم فنهى عن استعمالها؛ استبراء للشك، وأخذا باليقين فيه. فأما الموكأ فإنما يراد به السقاء الرقيق الذي لم يربب، فإذا انتبذ فيه وأوكي رأسه لم يدرك الشراب، ولم يشتد حتى ينشق السقاء فلا يخفى حينئذ تغيره، وقد روينا هذا المعنى عن ابن سيرين.

أخبرني محمد بن المكي، نا الصائغ، نا سعيد بن منصور، نا إسماعيل بن إبراهيم، نا أيوب، قال: كان محمد بن سيرين يقول: من أوكأ السقاء لم يبلغ السكر حتى ينشق السقاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية