الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه أصاب هوازن [ ص: 373 ] يوم حنين، فلما هبط من ثنية الأراك، ضوى إليه المسلمون يسألونه غنائمهم حتى عدلوا ناقته إلى سمرات فمرشن ظهره".

حدثنيه محمد بن الحسين بن إبراهيم، نا أبو عروبة، نا المسيب بن واضح، نا أبو إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب.

قوله: "ضوى إليه المسلمون"  أي: مالوا إليه، يقال: ضويت إلى فلان أضوي إليه ضويا إذا أويت إليه.

وقوله: "مرشن ظهره"  فإن المرش الخدش الخفيف، كالتناول بالأظافير ونحوها، ويقال: فلان يمترش الطعام إذا كان يتناوله من أطراف الصحفة، وكذلك يمترش المال إذا كان يكسبه ويجمعه من كل وجه، ومثله يقترش المال، ويقال: إنما سميت قريش قريشا للتجارة وجمع المال، قال الشاعر:


إخوة قرشوا الذنوب علينا في حديث من عهدهم وقديم



والتقريش أيضا: التفتيش. وقال معروف بن خربوذ: إنما سميت قريشا؛ لأنهم كانوا يفتشون الحاج عن خلتهم فيسدونها، يطعمون جائعهم، ويكسون عاريهم، ويحملون المنقطع به. قال الحارث بن حلزة:


أيها الشامت المقرش عنا     عند عمرو وهل لذاك بقاء



ويقال: بل سميت قريشا؛ لأنها تقرشت أي: اجتمعت بعد التفرق، وكانوا [ ص: 374 ] متبددين في الأرض حتى جمعهم قصي بن كلاب في الحرم؛ فسمي بذلك مجمعا، قال الشاعر:


أبوكم قصي كان يدعى مجمعا     به جمع الله القبائل من فهر



وهذا راجع إلى المعنى الأول.

قال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تخرج الدابة ومعها عصا موسى، وخاتم سليمان، فتجلي وجه المؤمن بالعصا، وتخطم أنف الكافر بالخاتم، حتى إن أهل الإخوان ليجتمعون فيقول هذا: يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر ".

حدثناه الأصم، نا الربيع بن سليمان، نا أسد بن موسى، نا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة.

قوله: "تخطم أنف الكافر": يريد أنها تسم أنفه بسمة يعرف بها. والخطام: سمة في عرض الوجه إلى الخد. قال النضر بن شميل: يقال: جمل مخطوم خطام، ومخطوم خطامين على الإضافة. قال: وربما وسم بخطام، وربما وسم بخطامين.

وقوله: "أهل الإخوان" يريد الخوان الذي ينصب للطعام ويؤكل عليه، قال الشاعر:

[ ص: 375 ]


ومنحر مئنات تجر حوارها     وموضع إخوان إلى جنب إخوان



يريد جفنة إلى جنب جفنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية