وقال في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: أبو سليمان "سألت ربي أن لا يسلط على أمتي سنة فترمدهم فأعطانيها".
يرويه عن أبو الوليد، عن أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي ليلى، معاذ بن جبل.
قوله: "ترمدهم" معناه تهلكهم، والرمد: الهلاك، وبه سمي عام الرمادة.
[ ص: 428 ]
وقال قائل: قد رأينا عالما من أمته هلكوا هزلا وجوعا في عام الرمادة في عهد ثم في الغلاء الذي كان عمر بن الخطاب، بالبصرة أيام زياد، ثم هلم جرا إلى عصرنا هذا لم يزل الناس تصيبهم الجوائح في البلدان والقرى، والأعراب تقحمهم السنة وتصيبهم المجاعة، وأقرب ما عهدنا من ذلك ما وقع بمدينة السلام من الغلاء الذي أجلى أهلها، وأتى على أكثرهم، فأين بيان استجابة دعائه؟
فيقال له: إنما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لا يهلك أمته هلاكا عاما، وأن لا يستأصلوا فيجتاحوا أصلا، سنة من هلك من الأمم الخالية والقرون الماضية. وأما أن يقحط قوم ويخصب آخرون، ويجدب بلد مدة من الزمان، ثم يحيا بعد فليس مما جرت به الدعوة، ولا عرضت له المسألة، ولم يزل من سنة الله في خلقه أن يختلف أمر بلاده في الجدب والخصب، وأحوال عباده في الجدة والعسر فمرفه له، ومقتر عليه أمر قد جرت به المقادير؛ فلا مرد له ولا اعتراض عليه.
وهذا كالمفسر في حديث آخر. حدثناه نا ابن السماك، عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، نا نا أبي، عن معاذ بن هشام، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثوبان: محمد، إني أعطيتك عطاء لا مرد له، وإني أعطيتك لأمتك أن لا يهلكوا بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدو من غيرهم حتى يكون بعضهم [ ص: 429 ] يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا، وبعضهم يفني بعضا". في حديث فيه طول. "إني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فيهلكهم، وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض. فقال: يا
والسنة العامة لم تكن في هذه الأمة، ولا هي كائنة إن شاء الله؛ لأن الله رؤوف بالعباد غير مخلف للميعاد.