الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أنه كان يقول إذا هاجت ريح: "اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا".  

حدثناه أحمد بن إبراهيم بن مالك، نا عمر بن حفص السدوسي، ثنا عاصم بن علي، ثنا أبي علي بن عاصم، عن أبي علي الرحبي، عن عكرمة، عن ابن عباس. قوله: "اجعلها رياحا" يريد اجعلها لقاحا للسحاب، ولا تجعلها ريحا.

يريد: لا تجعلها عذابا. والعرب تقول: لا تلقح السحاب إلا من رياح. وقال الأصمعي، عن بعض الأعراب: إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرض. وتصديق هذا في كتاب الله عز وجل وبيانه ما ذكر ابن عباس.

حدثناه الأصم، نا الربيع، ثنا الشافعي، أخبرنا من لا أتهم، نا العلاء [ ص: 680 ] بن راشد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال في كتاب الله يعني آية الرحمة: وأرسلنا الرياح لواقح ، قال: وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ، وقال: يعني في آية العذاب: وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ، وقال: إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا .

قال أبو سليمان : والمؤتفكات: الرياح إذا اختلفت وكانت لشدتها كأنها تقلب الأرض. ومن هذا قولهم أفكت الرجل عن رأيه إذا صرفته عنه. ومنه سمي الكذب إفكا ؛ لأنه قد قلب عن الحق إلى الباطل. وسميت مدائن قوم لوط المؤتفكات لانقلابها. قال الله تعالى: والمؤتفكات بالخاطئة .

وأخبرني محمد بن المكي، أنا الصائغ، نا سعيد، نا سويد بن عبد العزيز، نا حصين، عن سعيد بن جبير، وذكر قصة هلاك قوم لوط، وإنه لما كان في جوف الليل رفعت القرية حتى كأن أصوات الطير لتسمع في جو السماء قال: فمن أصابته تلك الآفكة أهلكته.

ومن هذا أيضا حديث بشير بن الخصاصية. حدثناه ابن مالك، نا محمد بن أيوب، نا عمرو بن حصين العقيلي، نا الفضل بن العلاء الكوفي، عن عمر بن محمد، عن محمد بن سعيد بن حنظلة، عن إياد بن لقيط، عن بشير بن الخصاصية أن رسول الله صلى الله عليه قال له: "ممن أنت" فقال: من ربيعة قال: "أنتم تزعمون لولا ربيعة لأتفكت الأرض بمن [ ص: 681 ] عليها" أي انقلبت بأهلها.

قال أبو سليمان : فأما حديثه الآخر أنه كان إذا رأى في السماء اختيالا تغير لونه.  

حدثناه ابن الزئبقي، ثنا محمد بن سنان القزاز، نا عثمان بن عمر، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة قالت: كان نبي الله صلى الله عليه إذا رأى ريحا سأل الله خيرها وخير ما فيها، وإذا رأى في السماء اختيالا تغير لونه، ودخل وخرج وأقبل وأدبر. فإن الاختيال من المخيلة، وهي السحابة التي يخال بها المطر. يقال خيلت السماء وتخيلت إذا أرت أنها ماطرة، والخال السحاب الذي يخيلك المطر. قال الشاعر:


أتيناك روادا ووفدا وشامة لخالك خال الصدق يا بن الأكارم



التالي السابق


الخدمات العلمية