الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث علي أن العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بعثا ابنيهما الفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة يسألانه أن يستعملهما على الصدقات فقال علي : والله لا يستعمل منكم أحدا على الصدقة فقال ربيعة هذا أمرك نلت صهر رسول الله فلم نحسدك عليه فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه فقال أنبأنا أبو الحسن القرم والله لا أريم حتى يرجع إليكما أبناءكما بحور ما بعثتما به فقال صلى الله عليه وسلم : "إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " .  

أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا أحمد بن صالح أخبرنا عنبسة بن خالد أخبرنا يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي وذكر الحديث . القرم السيد الكريم من الرجال وأصله الفحل من الإبل يكرم ولا يمتهن بالحمل إنما يعد للضراب قال الشاعر :


فحز وظيف القرم في نصف ساقه وذاك عقال لا ينشط عاقله

وهو المقرم أيضا قال الشاعر :


إذا مقرم منا ذرا حدنا به     تخمط فينا ناب آخر مقرم

وقوله بحور ما بعثتما أي بجواب ما بعثتما يقال كلمت الرجل فما رد إلي حورا ولا حويرا أي جوابا وما يتكلم فلان إلا محورة قال كثير [ ص: 194 ]

كواظم لا ينطقن إلا محورة     رجيعة قول بعد أن يتفهما

وفيه وجه آخر وهو أن يكون أراد به الخيبة والإخفاق وأصل الحور الرجوع إلى النقص ومنه قول الله : إنه ظن أن لن يحور وقال لبيد:


ما المرء إلا كالشهاب وضوئه     يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

ومن هذا قولهم الحور بعد الكور أي النقص بعد الكمال ويقال أيضا الحور بعد الكون .

.

أخبرني عبد الرحمن بن الأسد أخبرنا الدبري قال قلنا لعبد الرزاق فالحور بعد الكور قال سمعت معمرا يقول هو الكنتي قلت وما الكنتي قال الرجل يكون صالحا ثم يتحول امرأ سوء .

وقال أبو عمر: قال ابن الأعرابي : يقال للرجل : كنتي إذا كان لا يزال يقول كنت شابا كنت شجاعا أو نحو هذا وكاني إذا قال كان لي مال فكنت أهب وكان لي خيل فكنت أركب ونحو هذا من الكلام .

ومن الحور الذي هو الرجوع إلى الحال المذمومة حديث عائشة .

أخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الهجري أخبرنا عباد بن [ ص: 195 ] صهيب أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين البيتين :


ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه     يوما فتدركه العواقب قد نما
يجزيك أو يثنى عليك وإن من     أثنى عليك بما فعلت فقد جزى

أي لا يصرفك ضعفه عن اصطناعه ولا يؤيسك عن أن تعود له حال حسنة فيجزيك عن معروفك قولا أو فعلا ويقال إن هذا الشعر لزهير بن جناب الكلبي ومثله قول الآخر :


لا تهين الضعيف علك أن     تركع يوما والدهر قد رفعه

أراد لا تهينن بالنون الخفيفة فحذفها لالتقاء الساكنين وقال آخر في معناه :


وأكرم كريما إن أتاك لحاجة     لعاقبة إن العضاه تروح

يقول : كما أن الشجر اليابس قد يتروح فيورق بعد اليبس فلا تيأس أن تعود للفقير حال من اليسار تنعشه وتجبره وقد يكون الحور أيضا بمعنى العود إلى الحال المتقدمة خيرا كانت أو شرا .

ويقال إنما سمي العود الذي تدور عليه البكرة محورا لأن دورانه يتكرر فيعود كل مرة إلى مداره الأول [ ص: 196 ] فأما الحور بضم الحاء فهو الخسران والنقصان قال الشاعر :

الذم يبقى وزاد القوم في حور .

قال يعقوب: أي في نقصان قال ويقال في مثل "حور في محارة" أي نقصان في نقصان ويقال أن الباطل في حور أي في نقص وخسران وقال العجاج :

في بئر لا حور سرى وما شعر .

ولا هاهنا صلة . وزعم بعض النحويين أنها ليست بصلة ولكنها لا الجحد ومعناه المتأول إنما هو بئر ما لا يحير عليه شيئا كأنه قال إلى غير رشد وما درى .

قال : والعرب تقول : طحنتنا الطاحنة فما أحارت شيئا معناه لم يتبين لها أثر عمل .

وفي الحديث أن الفضل وعبد المطلب قالا لما صرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تواكلنا الكلام فأخذ رسول الله بآذانهما وقال "أخرجا ما تصرران من الكلام " .

قوله : تواكلنا الكلام  أي اتكل كل واحد منا على الآخر فيه .

وقوله : أخرجا ما تصرران  أي ما تجمعان من الكلام وكل شيء جمعته فقد صررته ويقال للأسير مصرور [ ص: 197 ] وفي الحديث من الفقه أن الهاشمي إذا عمل لم يعط من سهم العاملين وليس كالغني من غير بني هاشم إذا عمل أعطي العمالة لأن الصدقة حرمت عينها على بني هاشم  صيانة لهم لأنها أوساخ الناس والفقير والغني منهم والعامل وغير العامل فيها بمثابة واحدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية