الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث العباس أن عمر خرج به يستسقي فقال اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك وقفية آبائه فإنك  تقول: وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا [ ص: 243 ] فحفظتهما فاحفظ اللهم نبيك في عمه فقد دلونا به إليك مستشفعين.

هذا قد ذكره ابن قتيبة في كتابه وفسره فقال قوله قفية آبائه يريد تلوهم وتابعهم وهو من قفوت الرجل إذا تبعته وكنت في إثره يقال: هذا قفي الأشياخ وقفيتهم إذا كان الخلف منهم.

وقوله دلونا إليك أي متتنا واستشفعنا وأصله من الدلو.

.

وقال أبو سليمان أما قفية آبائه فإنه تلوهم وتابعهم والخلف منهم فمن المستقيم المطرد في اللغة إلا أنه من البعيد الممتنع أن يكون عمر جعل العباس تابع آبائه أو رآه خلفا منهم في طريق دين أو دنيا وإنما يحسن أن يتأول المتأول الكلام على معانيه اللائقة به المنقادة له دون الوجوه الأبية عليه النافرة عنه ومعنى القفية المختار.

قال أبو زيد يقال: اقتفيت الشيء بمعنى اخترته والاسم القفوة يريد أنه المختار من آبائه ومنه القفي وهو ما يؤثر به الرجل من طعام.

وقد يحتمل أن يكون أراد أنه تابعهم والمتقيل لأثرهم في الاستسقاء وذلك أن عبد المطلب قد استسقى لأهل الحرم حين أقحطوا فسقاهم الله وقد ذكرنا هذه القصة وفسرناها في حديث رسول الله عليه السلام لا أعلم لما [ ص: 244 ] ذهب إليه ابن قتيبة وجها غير هذا وكان الواجب عليه إن كان أراده أن يذكره ولا يغفله.

وأما قوله دلونا به إليك أي متتنا واستشفعنا فإنه محرف عن وجهه وموضوع في غير موضعه إنما يقال: أدليت بالألف بمعنى متت وتوسلت.

يقال: فلان يدلي بحجة ويدلي بقرابة ونحو ذلك تمثيلا له. ومن يرسل الدلو يستقي ماء يقال: أدلى الرجل دلوه إذا ألقاها في البئر ودلاها إذا نزعها ومعنى دلونا في قول عمر أقبلنا به وسرنا قال الفراء الدلو السير الرويد وأنشد:


لا تعجلا بالسير وادلواها

.

وقال غيره الدلو السير الرفيق وكلاهما واحد وقال الراجز:


لا تقلواها وادلواها دلوا     إن مع اليوم أخاه غدوا



التالي السابق


الخدمات العلمية