الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

قال أبو سليمان في حديث عبادة أن المخدجي قال له: إن أبا محمد يزعم أن الوتر حق فقال: كذب أبو محمد.

حدثناه مكرم بن أحمد نا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهاب بن عطاء نا محمد بن عمرو عن محمد بن يحيى بن حبان عن المخدجي.

قوله: الوتر حق أي واجب  يقال حق الأمر يحق ويحق حقا إذا وجب وقد حققت الشيء أحقه وأحققته أيضا أحقه.

وقوله: كذب أبو محمد لم يذهب به إلى الكذب الذي هو الانحراف عن الصدق والتعمد للزور وإنما أراد به أنه زل في الرأي وأخطأ في الفتوى وذلك لأن حقيقة الكذب إنما يقع في الإخبار ولم يكن أبو محمد في هذا مخبرا عن غيره وإنما كان مفتيا عن رأيه وقد نزه الله أقدار الصحابة عن الكذب وشهد لهم في محكم كتابه بالصدق والعدالة فقال: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم .

ولأبي محمد هذا صحبة وهو رجل من الأنصار من بني النجار واسمه مسعود بن زيد بن سبيع مشهور عند العلماء [ ص: 303 ] .

وقد يجري الكذب في كلامهم مجرى الخطإ ويوضع موضع الخلف كقول القائل كذب سمعي وكذب بصري وقال صلى الله عليه للرجل الذي وصف له العسل: "صدق الله وكذب بطن أخيك". وقال الأخطل:


كذبتك عينك أم رأيت بواسط ملس الظلام من الرباب خيالا

وقال ذو الرمة:


وقد توجس ركزا مقفر ندس     لنبأة الصوت ما في سمعه كذب

ومن هذا قول عروة في ابن عباس.

.

أخبرني أحمد بن إبراهيم بن مالك نا الدغولي نا المظفري نا مصعب الزبيري نا سفيان عن عمرو بن دينار قال: سألت عروة كم لبث النبي صلى الله عليه بمكة؟ قال: عشرا. قلت: إن ابن عباس يقول: "لبث بضع عشرة فقال كذب". ثم قال: ذهب إلى شعر ابن صرمة:


ثوى في قريش بضع عشرة حجة     يذكر لو يلقى خليلا مواتيا

يريد أخطأ.


ونظير هذا قول عمران بن حصين لسمرة بن جندب.

روى ابن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي مجلز قال قال سمرة في [ ص: 304 ] المغمى عليه يصلي مع كل صلاة صلاة حتى يقضيها فقال له عمران بن حصين كذبت ولكنهن يصليهن معا يريد أخطأت.

ومن هذا الباب حديث البراء بن عازب حدثناه الصفار نا عباس الدوري نا قراد أبو نوح نا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد الأنصاري نا البراء بن عازب وهو غير كذوب قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه في الصلاة فإذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن منا رجل ظهره للسجود حتى يضع رسول الله جبينه على الأرض.

قوله: وهو غير كذوب أي غير مظنون به الخطأ أو غير مجرب عليه الغلط في الرواية يصفه بالحفظ والإتقان.

وأخبرنا ابن الأعرابي نا عباس الدوري عن يحيى بن معين.

قال: قوله: وهو غير كذوب يريد عبد الله بن زيد لا يقال لرجل من أصحاب رسول الله غير كذوب.

قال أبو سليمان: ولا أعلم خلافا في أن الوتر ليس بفرض إلا أن بعض الفقهاء قد علق فيه القول وقد سبقه الإجماع بخلافه.

التالي السابق


الخدمات العلمية