الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حديث أبي هريرة رضي الله عنه

وقال أبو سليمان في حديث أبي هريرة " أنه قال : إذا توضأت فأمر على عيار الأذنين   .

أخبرناه محمد بن أحمد بن زيرك ، نا العباس بن محمد الدوري ، أنا أبو النضر ، نا أبو مالك النخعي ، عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن أبي هريرة .

قال الدوري : يريد بالعيار ما فوق الأذنين ، كأنه يذهب إلى العيار الذي تعتبر به الأشياء ، يريد به الموضع الذي ينتهي إليه حد الأذن ولست أرى هذا شيئا ؛ لأنه لا سنة في غسل ما وراء الأذنين ولا في إمرار الماء على ما فوقها ، وإنما وردت السنة بمسح الأذن نفسها ، وكان صلى الله عليه يأخذ لهما ماء جديدا فيمسح ظاهرهما وباطنهما ، وإنما العيار : ما عار ونتأ من الأذن : أي أشرف وارتفع منها ، وكل عظم ناتئ من البدن عير ، ومنه عير القدم وعير الكتف ، وهو العظم الناتئ في وسطه ، وعير السيف حامله ، وهو ما غلظ من وسطه ، وكذلك عير النصل ، قال الراعي :


فصادف سهمه أحجار قف كسرن العير منه والغرارا

ولهذا المعنى سمي الوتد عيرا ، قال الحارث بن حلزة :


زعموا أن كل من ضرب العير     موال لنا وأنى الولاء



[ ص: 418 ] قال أصحاب المعاني : أراد بالعير الوتد ، وذلك لأن العرب نازلة العمد ، فكلهم يضربون الأوتاد لخيامهم إذا نزلوا .

وقال بعضهم : بل العير هاهنا المثال القائم الذي يرى في حدقة الإنسان ، يريد كل من ضرب بجفن على عير .

وسئل أبو عمرو بن العلاء عن تفسير هذا البيت فقال : ذهب من كان يحسن أن يفسره .

قال الأصمعي : ثم فسر العير فقال : هو الناتئ في بؤبؤ العين ، قال : ومعناه كل من انتبه من نومه ، قال : ومنه قولهم : آتيك قبل عير وما جرى : أي آتيك قبل أن ينتبه نائم .

وقال غير أبي عمرو في قولهم : قبل عير وما جرى ، يراد به السرعة : أي قبل لحظة العين ، وأنشد لتأبط شرا :


ونار قد حضأت بعيد هدء     بدار ما أريد بها مقاما
سوى تحليل راحلة وعير     أكالئه مخافة أن يناما

قال أبو العباس ثعلب : معنى قوله : وأنى الولاء ، أي أصحاب الولاء [ ص: 419 ] فأضمر ، قال : وهذا الحرف عنى أبو عمرو بن العلاء بقوله : ذهب من يحسنه ، وقد يحتمل أن يكون ذلك غيار الأذن بالغين معجمة ، وهو محارها .

ويقال : غارت الشمس غيارا إذا غابت ، إلا أن الرواية جاءت بالعين غير معجمة ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية