الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث ابن عباس : " أنه ذكر في قول النبي : " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله " .  قال طاووس : فقلت : لم ؟ قال : ألا ترى أنهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ .

أخبرناه ابن داسة ، نا أبو داود ، نا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن طاووس ، عن أبيه .

[ ص: 456 ] .

قوله : والطعام مرجأ ، أي غائب مؤجل في ذمة البائع ، يقال : رجيت الشيء وأرجأته ، إذا أخرته .

ومن هذا قوله : وآخرون مرجون لأمر الله .

وتفسير ذلك أن يسلف نقدا في طعام ، ثم يبيعه بنقد قبل أن يقبضه ، فيفسد البيع ؛ لأن ملكه لا يستقر ولا يتكامل إلا بالقبض ، " وقد نهى رسول الله صلى الله عليه ، عن ربح ما لم يضمن " ، فإذا كان الطعام الذي يبيعه مرجأ ، أي مؤخرا عن ملكه ، ومضمونا على غيره لم يجز بيعه ؛ لأنهما إنما تبايعا ذهبا ليس بإزائه في الحقيقة طعام .

وبيان هذا في حديث له آخر . حدثناه محمد بن مكي ، نا الصائغ ، نا سعيد ، نا عبد العزيز بن محمد ، أخبرني يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، قال : " سألت ابن عباس فقلت : كنا نسلف في السيائب فنبيعها قبل أن نستوفيها ، فقال : ذاك بيع ورق بورق " .

يريد أن البيع لم يقع على الثياب الذي هو مضمون على غيره ، وإنما تقابل الثمنان فصار بيع ورق بورق ، وبيع الورق بالورق لا يجوز إلا سواء بسواء يدا بيد والمعنيان جميعا ها هنا عدم ، فبطل البيع ، فإن كان المشتري إنما باعه من البائع نفسه قبل أن يقبضه كان في الفساد مثل الأول أو أشد ، وكان حينئذ بيع ورق بورق لا غير ، فإن أقاله فبطل عنه الطعام ، وصار [ ص: 457 ] عليه ذهب تبايعا بعد بالذهب ما شاءا بالذهب ، وتقابضا قبل أن يتفرقا . والإقالة فسخ وليس ببيع .

وفيه أنه رأى غير الطعام في هذا بمنزلة الطعام ، وأنه لا يجوز بيعه قبل أن يقبض كالطعام سواء ، وأجازأهل المدينة بيع ما لم يقبض إلا في الطعام والمكيل والموزون .

التالي السابق


الخدمات العلمية