الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
100 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"أنه نهى عن قتل شيء من الدواب صبرا".  

قال: حدثناه هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 321 ] .

قال: وحدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو زيد، وأبو عمرو، وغيرهما: قوله: صبرا: هو الطائر، أو غيره من ذوات الروح، يصبر حيا، ثم يرمى، حتى يقتل.

قال أبو عبيد: وأصل الصبر: الحبس، وكل من حبس شيئا، فقد صبره

ومنه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجل أمسك رجلا وقتله آخر، قال: "اقتلوا القاتل، واصبروا الصابر".

قال: سمعت عبد الله بن المبارك، يحدثه عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، يرفعه قوله: اصبروا الصابر، يعني احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت.

ومنه قيل للرجل يقدم، فتضرب عنقه: قتل صبرا: يعني أنه أمسك على الموت، وكذلك لو حبس رجل نفسه عن شيء يريده، قال: صبرت نفسي، قال "عنترة" يذكر حربا كان فيها:


فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع

يعني أنه حبس نفسه [ ص: 322 ] .

قال أبو عبيد: ومن هذا قولهم: يمين الصبر، وهو أن يحبس السلطان الرجل على اليمين حتى يحلف بها.  

ولو حلف إنسان من غير إحلاف ما قيل [له] حلف صبرا.

وأما المجثمة التي نهي عنها، فإنها المصبورة أيضا، ولكنها لا تكون إلا في الطير والأرانب، وأشباه ذلك مما يجثم؛ لأن الطير يجثم بالأرض وغيرها: إذا لزمته ولبدت عليه، فإن حبسها إنسان، قيل: قد جثمت، أي فعل ذاك بها، وهي مجثمة.

فإذا فعلته هي من غير فعل أحد، قيل [قد] جثمت تجثم جثوما، وهي جاثمة [ ص: 323 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية