الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1005 - وقال " أبو عبيد " في حديث " الأحنف بن قيس" حين قدم على " عمر" في وفد من أهل البصرة، فقضى حوائجهم، فقال " الأحنف": " يا أمير المؤمنين إن أهل هذه الأمصار نزلوا في مثل حدقة البعير من العيون العذاب تأتيهم فواكههم لم تخضد، وإنا نزلنا سبغة نشاشة، طرف لها بالفلاة، وطرف لها بالبحر الأجاج، يأتينا ما يأتينا في مثل مرئ النعامة، فإن لم ترفع خسيستنا بعطاء تفضلنا به على سائر الأمصار نهلك".

قال: حدثناه " أبو النضر" ، عن " أبي سعيد المؤدب" ، عن " حمزة" - من ولد " أنس بن مالك" - ، عن " عمر" و " الأحنف".

قوله: مثل حدقة البعير من العيون العذاب:  يعني كثرة مياههم وخصبهم، وأن ذلك عندهم كثير دائم، وإنما شبهه بحدقة البعير، لأنه يقال [ ص: 421 ] :

إن المخ ليس يبقى في شيء من جسد البعير بقاءه في السلامى والعين، وهو في العين أبقى منه في السلامى أيضا، ولذلك قال الشاعر:


لا يشتكين عملا ما أنقين


ما دام مخ في سلامى أو عين

والسلامى: عظام صغار تكون في فراسن الإبل، وقد تكون في الناس

ومنه الحديث الآخر: " على كل إنسان في كل سلامى صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتا الضحى".  

والسلامى: كل عظم مجوف مما صغر من العظام، ولا يقال لمثل الظنبوب، والزند، وأشباه ذلك: سلامى، إنما يقال لمثل هذا: قصب.

والسلاميات تكون في الناس في الأيدي والأرجل [ ص: 422 ] .

وأما قوله: تأتيهم فواكههم لم تخضد:  يعني لقربها منهم، فهي تأتيهم غصتم تذهب طراءتها فتنثني، وتنخضد، يقال للعود إذا انثنى، وهو رطب من غير أن ينكسر، فيبين: قد انخضد، وقد خضدته أنا.

قال " أبو عبيد ": هكذا سمعتها في الحديث تخضد، ويروى: تخضد، وهي عندي أجود.

وقوله: سبخة نشاشة:  يعني ما يظهر من ماء السباخ، فينش فيها حتى يعود ملحا.

وقوله: في مثل مرئ النعامة:  يعني مجرى الطعام والشراب، وليس بالحلقوم هو، غيره أدق منه، وأضيق [ ص: 423 ] .

وإنما هذا مثل ضربه، يقول: ليس يأتينا شيء إلا ضيقا نزرا على نحو ما يدخل في مرئ النعامة [ ص: 424 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية